يخاطِب الله تعالى في هذه الآية بني إسرائيل مؤكِّدًا لهم أنهم سيُفسدون في الأرض المباركة (فلسطين) مرّتين في عصرين مختلفين، وسيكون منهم مع الإفسادين في كلّ مرّة عُلُوٌ كبيرٌ.
وليس المُراد بالإفساد هنا الإفسادَ الفردي، أو ما يُعرَف بإفساد الآحاد، فهذا يَحدُث في كل المجتمعات، حتى وإنْ كانت مجتمعاتٍ مؤمنةً في مجموعها، ولكنَّ الإفسادَ المقصود هنا هو الإفساد الجماعي (المجتمعي)، والذي يَظهر في صور مختلفة، كما يلي:
1- الإفساد السياسي.
2- الإفساد الاقتصادي.
3- الإفساد العسكري.
4- الإفساد الأخلاقي.
5- الإفساد القانوني.
6- الإفساد الديني.
7- الإفساد التشريعي.
8- الإفساد الإعلامي.
9- الإفساد الاجتماعي والمجتمعي.
– (في الأرض):
الأرض المقصودة هنا يجب أنْ تكون معروفةً ومحددةً لبني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام، ولا يمكن أنْ يكون المُراد كلّ الأرض، فهذا يكاد يكون مستحيلاً، وغيرَ واقعيّ.
ولا بدًّ أنْ يُوجَد في هذه الأرض المسجد الأقصى، لقوله تعالى: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا) {الإسراء: 7}، فالمقصود هنا هو المسجد الأقصى (بيت المقدس) في المرَّتين، وهو ما أشارت إليه الآية الأولى في السورة:
(إلى المسجد الأقصا) {الإسراء: 1}.
ولذا، فإنَّ كلَّ توجيهٍ لكلمة (الأرض) هنا بعيدًا عن فلسطين، أو عن المسجد الأقصى، هو نوعٌ من العَبث، وهو تعسُّفٌ لا يفيد.
أيْ إنّكم يا بَني إسرائيل سيقَع منكم إفسادُ جماعيٌ مجتمعيٌ في الأرض المباركة (فلسطين) مرّتين في عصرين مختلفين، وفي زمنين متباينين، كما سيتضح لنا عند تأمّل قوله تعالى:
(ثم رددنا لكم الكرة عليهم) {الإسراء: ٦}.
(ولَتَعلُنَّ عُلُوًّا كبيرًا):
ومع الإفساد المجتمعي لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) سيقع منهم عُلُوٌ كبيرٌ في المرتين، والعلوُّ هنا عُلوُّ استكبارٍ وطغيانٍ، وقتلٍ وتَجَبُّرٍ، وغلَبةٍ وظلمٍ، كما في الآية:
(إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبج أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) {القصص: 4}.
فالعلوُّ عادة ما يكون معه الإفساد، والفساد، كما في قوله تعالى:
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين) {القصص: 83}.
إنَّ عُلُوَّ فرعون هو طغيانُه وظُلمُه وإفسادُه، ومِثْله العلوُّ الذي سيقع من بني إسرائيل في المرتين: قتلٌ، وظلمٌ، وطغيانٌ، وبَغْيٌ، وانحرافٌ في كلِّ صور الإفساد المذكورة.
إنَّ هذه الآية تُظهِر لنا أنَّ عُلُوَّ بني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) في المرتين سيكون علوًّا كبيرًا، يكون فيه الاستكبار كبيرًا، ويكون فيه الظلم كبيرًا، ويكون فيه القتل كبيرًا، ويكون فيه العدوان كبيرًا، وهو ما نراه اليوم يتحقق في غزة حيث القتل والعدوان والتدمير والإفساد.