أورد ابن حجر العسقلاني في الفتح: “كتاب أحاديث الأنبياء:
(إنّ آدم عليه السلام أوَّل مَن أسس المسجد الحرام بمكة، وذكر ابن هشام في كتاب (التيجان):
(أنّ آدم عليه السلام لما بنى الكعبة أمره الله تعالى بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه فبناه ونَسَك فيه)
يقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب في تفسيره لقول الله تعالى:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آل عمران/96:
“إنّ آدم هو الذي أنشأه وأقامه، فهو أقدم من إبراهيم بأزمان بعيدة، وهو في هذا يقول الله تعالى:
﴿وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ البقرة/ 125، ففي قوله تعالى:
{وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} البقرة/125، إشارة إلى أنّه كان بيتًا لله تعالى قبل أن يعهد الله تعالى إلى إبراهيم وإسماعيل بتطهيره من الأوثان التي عبدها العابدون فيه”.
ويقول أيضًا قوله تعالى:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} البقرة/ 127:
وذِكر رفع إبراهيم عليه السلام للقواعد يدل على أنها موجودة قبله، وإنما عمله الكشف عنها ورفعها والبناء عليها).
ومعلوم أن البيت الحرام الذي بمكة هو أوَّل بيت (مسجد) وضع للناس في الأرض، لقول الله تعالى:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} البقرة/ 96، وفي الحديث الصحيح أنّ أبا ذر رضي الله عنه قال:
(قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أوّل؟ أي للصلاة فيه، قال: المسجد الحرام).
ومعلوم أيضًا أنّ آدم عليه السلام هو أوَّل البشر، وهو أوَّل من سكن الأرض من البشر، يقول الله تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الإسراء/7.، فهو أبو البشر بداهة واتفاقًا ومعلومًا من الدين بالضرورة، وهو الذي قال الله تعالى فيه:
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ} البقرة/3..
وعندما هبط آدم عليه السلام من الجنة التي أسكنه الله تعالى، فإنما هبط إلى مكان في الأرض يستقر فيه، ويعبد ربه فيه، ويؤدي دوره المستخلف فيه في هذه الأرض، كما أمره الله تعالى، فكان من أوّل أعماله بناءُ البيت الحرام في الوادي الذي هبط إليه، وهو مكة المكرمة التي سمّاها الله تعالى (أمّ القرى).
وفي السياق ذاته يقول الله تعالى:
{لآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} البلد 1-3، فالله تعالى يُقسم بالبلد الحرام (مكة) الذي كان مكانًا لهبوط آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة، وكان فيه أوّل تجمُّع بشرى في الأرض، ويقسم سبحانه وتعالى بوالد وما ولد:
{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} البلد/3، أي بآدم وزوجه عليهما السلام، وهما أوَّلُ والدٍ في البشر، ويُقسم بذريتهما الذي كانوا أوَّل من سكنوا البلد الحرام (مكة) مع والديهم.
وبين القسم بالبلد الحرام والقسم بوالدٍ وما ولد تأتي الآية:
{وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ} البلد/2، في إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وعظمة الرسالة المحمدية التي انطلقت من مكة المكرمة، وهو نفس المكان الذي شهد بدايات التكاثر الإنساني، وبدايات الاستخلاف في الأرض.