د. نصر فحجان يكتب: واحلُل عُقدةً من لساني

يقول الله تعالى: (اذهب إلى فرعون إنه طغى قال ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلُل عُقدة من لساني يفقهوا قولي)..
– ما العُقدة التي يتحدث عنها موسى عليه السلام؟
– هل كان في لسان موسى عليه السلام شيء يعيق النطق عنده؟
– هل كان في لسانه لَثغةٌ أو رُتّةٌ أو عَيبٌ في النطق؟
– لماذا تحدّث موسى عليه السلام عن عُقدةٍ في لسانه بعد تكليفه بالذهاب إلى فرعون: (اذهب إلى فرعون إنه طغى)؟
بداية أقول:
** إنّ موسى عليه السلام عاش في مصر سنوات طويلة لم يظهر فيها أنّه يعاني من مشكلة في الكلام، أو من (عقدة) في اللسان، ولم يحدث مطلقًا أنّه كان عليه السلام يشكو من عُقدة في لسانه، أو من عيبٍ في النطق عنده، ولو كان هذا موجودًا لعرفناه من حياة موسى عليه قبل التكليف بالذهاب إلى فرعون.
** وموسى عليه السلام عاش خارج مصر في مَدين مُدةً لا تقل عن عشر سنين لم يظهر فيها أنّه كان يعاني من عُقدة في لسانه، بل كان يتكلم مع المرأتين اللتين كانتا تسقيان بطريقةٍ عادية لم يظهر لنا فيها أنه كان يعاني من عقدة في لسانه، أو من مشكلة في النطق.
** وكان أيضًا يتكلم مع الشيخ الكبير -والد زوجته- بكل سلاسة وبلا أية مشكلات.
** وكان يدعو ربه سبحانه ويتضرع إليه بلغة ولسان لم يظهر فيه أنه كان يشكو من عقدة أو من أي شيء، يقول الله تعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين)، فهو هنا يتكلم مع الناس بلا أية مشكلات، وهم يفقهون قوله أيضًا دون أنْ يلحظوا فيه شيئًا أو عيبًا.
** أما الرواية التي تتحدث عن أنّ موسى عليه السلام أمسك في صغره بجمرة وحملها إلى لسانه فحرقته فهي رواية لا أصل لها، ولا يمكن الاعتماد عليها أو الأخذ بها، ونحن نتحدث عن نبيٍّ كريم يوحي له الله ويكلمه تكليمًا.
** وموسى عليه السلام تحدث عن العقدة في لسانه فقط بعد تكليف الله له بالذهاب إلى فرعون الذي طغى، وهذا يجعلنا نذهب إلى أنّ موسى عليه السلام أحسّ بهذه المشكلة بعد هذا التكليف فقط وذلك لأسباب:
أوَّلاً: ثقل المسئولية التي كلفه الله بها، حيث إنّ موسى سيذهب إلى فرعون الطاغية الذي يدّعي الألوهية ويستبيح الدماء ويذبِّح الأبناء ويستحيي النساء، لذا نجد موسى عليه السلام يقول: (ويضيق صدري ولا ينطلق لساني) في إشارة إلى صعوبة الموقف والذي سيجعله ضيّق الصدر معقود اللسان أمام فرعون.
ثانيًا: خوف موسى عليه السلام من معاقبة فرعون له بالقتل بسبب قتله لرجل من أقباط مصر جعله يشعر بانعقاد لسانه إذا وقف أمام فرعون يخاطبه، وفي هذا يقول الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ولهم عليّ ذنب وأخاف أن يقتلون)، فهو إذنْ يحسب حسابًا لملاقاة فرعون، وهذا يجعله خائفًا متوجسًا معقود اللسان.
ثالثًا: غياب موسى عليه السلام كل هذه الفترة عن مصر جعله ينسى كثيرًا من لغة فرعون (الهيروغليفية) وقواعدها، حيث إنّ لغة موسى عليه السلام هي لغة قومه من بني إسرائيل، وهذا من شأنه أنْ يجعل موسى عليه السلام يشعر بانعقاد لسانه وعدم انطلاقه بلغة الفراعنة التي تركها ما لا يقل عن عشر سنوات، لذا نجد موسى عليه السلام يقول: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدقني)، وهذا يعني أنّ هارون عليه السلام أكثر فصاحة وإتقانًا للغة الفراعنة بحكم بقائه في مصر.
رابعًا: اتهام فرعون لموسى عليه السلام بأنّه (مَهين ولا يكاد يُبين) يؤكد أنّ موسى عليه السلام لم يكن يتقن التكلم بلغة الفراعنة فعلًا، وهو ما جعل فرعون يعتبر هذا نقطة ضعف لدى موسى عليه السلام، فحاول تشويه صورته في عقول الناس، وفي هذا يقول الله تعالى على لسان فرعون: (أمّن هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)، فهو لا يكاد يُبين، أي أنّه لا يحسن التكلم بلغة الناس في مصر والإبانة عن الأفكار بلغة سليمة ولسان قويم.
وخلاصة القول:
موسى عليه السلام نبيٌّ رسولٌ وجيهٌ كاملُ الجسم والعقل، ولا يجوز الانتقاص منه وإيذاؤه كما فعل بنو إسرائيل، يقول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا).
والله تعالى أعلى وأعلم
د. نصر فحجان – غزة