د. نصر فحجان يكتب: {وقضَينا إلى بني إسرائيل في الكتاب}

يقول الله تعالى: (وقضَينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرًا) {الإسراء: 4}.
ما المُراد بقوله تعالى: (وقضَينا) و(في الكتاب)؟!
يقول الرازي في «مفاتيح الغيب»: (وقضَينا إلى بني إسرائيل) {الإسراء: 4}، أيْ أعلمْناهم وأخبرناهم بذلك، وأوحينا لهم.
ويقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:
وتَعْدِيَة (قضَينا) بحرف إلى، لتضمين (قضينا) معنى (بلَّغنا)، أيْ: قضينا وانتهينا، كقوله تعالى: (وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) {الحجر: 66}.
فالله تعالى بعلمه القديم يعلم أنَّ بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين، وهو يحذرهم ويوحي إليهم في التوراة أنًّ هذا سيكون.
ومعلوم أنَّ عِلم الله تعالى بمعصية العصاة لا يعني رضاه عن معاصيهم، بل إنهم يتحمّلون عواقب هذه المعاصي، وسيحاسبهم الله عليها في الدنيا، أو في الآخرة.
يقول الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن:
“وهذا القضاء إخبارٌ من الله تعالى بما سيكون منهم، حسب ما وقع في علمه الإلهي من مآلهم، لا أنه قضاءٌ قهريٌّ عليهم، تنشأ عنه أفعالهم، فالله سبحانه لا يقضي بالإفساد على أحد: (قل إنّ الله لا يأمر بالفحشاء) {الأعراف: 28}.
والمُراد بقوله تعالى: (في الكتاب): هو التوراة، وهو الكتاب الذي أنزل على نبيِّ الله موسى عليه السلام،
وهو نفس الكتاب المذكور في قوله تعالى: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل).
يقول الأستاذ سيد قطب:
«ولقد قضى الله لبني إسرائيل في الكتاب الذي آتاه لموسى أنهم سيفسدون في الأرض مرتين».
ولا يستقيم أنْ نقول:
إنَّ الكتاب هنا هو القرآن الكريم، فالقرآن الكريم لم يكن نازلًا في زمن موسى عليه السلام، ولم يكن بين أيدي بني إسرائيل، والذي كان بين أيديهم يقرؤون فيه وَحْيَ الله إليهم هو التوراة لا غير.
ولا يَصْلُحُ أيضًا أنْ نقول:
إنَّ الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، أو الكتاب المكنون، لأنّ المُراد أنْ يعلم بنو إسرائيل في كتابٍ بين أيديهم بهذا القضاء،
فيكونوا مسؤولين أمام الله تعالى عن أيِّ إفساد يقع منهم في الأرض المباركة.
وقد أخبرنا الله تعالى بهذين الإفسادين لبني إسرائيل في القرآن الكريم، لأنهما يخُصَّانِ المسلمين،
وخاصّة الإفساد الثاني منهما، ليكونوا على علم وانتباه واستعداد، لمواجهة هذا الخطر الكبير الذي يستهدف أرضهم المباركة ومقدساتهم وأقصاهم.
د. نصر فحجان – غزة
من كتابه/ وَعد الآَخِرَة زوال لا إبادة
يُتَّبَع