مقالات

د. نصر فحجان يكتب: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ

 إنّ استخدام كلمة (ذات) في قوله تعالى:

﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ سورة القمر/ 13، يُلفت الانتباه إلى أنّ هذه السفينة ليست ككل السفن، فلم تكن تتحرك بالأشرعة والمجاديف، فهي ذات ألواح ودُسُر، وهذا يجعلها آية وتذكرةً للعالمين، فالذي خصّ هذه السفينة بالألواح والدُّسُر هو الله تعالى:

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الحاقة/ 12، فالله تعالى يريدنا أن ننتبه ونتدبر ونتفكر في خلق هذه السفينة التي تميزت بالألواح والدُّسُر.

ولا نتصور أنّ هذه السفينة كانت تجري بالمؤمنين في هذا الطوفان العظيم بطريقة بدائية بواسطة الأشرعة والمجاديف اليدوية التي لا تناسب هذا الحجم العظيم من الماء الذي كانت أمواجه كالجبال:

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} هود/ 42، وفي الوقت ذاته كان الماء يزيد ويرتفع مع كل لحظة، فالأرض تنفجر عيونًا، والسماء قد فُتحت أبوابها بماء منهمر:

{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} القمر/ 11-12، إلى أن غرق كل الكافرين، ونجّى الله نوحًا ومن معه، واستوت بهم السفينة على الجودي:

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هود/ 44، فهي إذن سفينة خاصة، لها ميزات خاصة، وقدرات عالية، وإمكانيات فائقة عبّرت عنها الآية:

﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} سورة القمر/ 13

في معظم كتب التفسير يذهب المفسرون رحمهم الله إلى أن الألواح هي ألواح من خشب، وأن الدُّسُر جمع (دِسَار) وهو المِسمار، وأن سفينة نوح عليه السلام كانت مصنوعة من ألواح الخشب المشدودة إلى بعضها بالمسامير أو بالحبال الغليظة.

ونتساءل

هل صُنعُ السفينة من ألواح خشبية مشدودة ومثبتة بالمسامير، أو بالحبال الغليظة، يجعلها سفينة خاصّة ومتميزة؟

إنّ كل السفن القديمة كانت مصنوعة من ألواح من الخشب المشدود بالحبال والمسامير، فأين التمييز لسفينة نوح والذي توحي به كلمة (ذات) في قوله تعالى:

﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾؟

إننا عندما نتدبر قول الله تعالى:

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} هود/ 37، لا يخطر ببالنا إلا العظمة والإعجاز والقدرة والتميّز والدقة ومخالفة المعهود والمألوف عند الناس، فهل يمكننا أن نجد كل هذا في سفينة كل ما يميزها أنها ذات ألواح خشبية ومسامير؟

أم أنّ الآية الكريمة ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ القمر/13، تحمل لنا إشارات وآيات ودلالات عظيمة، ليقف عندها المؤمنون في كل زمان، فيعرفوا عظمة الله تعالى، فيعظِّموه ويوقّروه ويسبّحوه بكرةً وأصلًا، وهي التي يقول الله تعالى:

{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} القمر/15.

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى