خلال الأربعين سنة الماضية، أدى إقصاء أهل السنّة من السلطة وتسليط الضوء على الخلافات المذهبية إلى تآكل الثقة بين الناس وتهديد التعايش بين القوميات والمذاهب في إيران. اليوم، شعور الناس بعدم الثقة أصبح ناقوس خطر على مستقبل الوحدة الوطنية.
إيران بلد متنوع عرقيًا ولغويًا ودينيًا، وهذا التنوع كان يمكن أن يكون نقطة قوة لبناء نموذج للتعايش في منطقة مليئة بالصراعات. لكن السياسات الاحتكارية في الدين والسياسة خلال السنوات الماضية أضعفت هذا التنوع بدل أن تعززه. التركيز على مذهب واحد، وحرمان الآخرين من حقوقهم، ومحاولة فرض ثقافة واحدة، كلها عوامل أدت إلى انقسامات اجتماعية كبيرة وتهديد الوحدة الوطنية.
كما أن تدخلات النظام الإيراني في دول المنطقة، بصبغة دينية وعنفية، جعلت إيران تبدو بعيدة عن الأمة الإسلامية وموضع انتقاد دولي واسع.
التمييز والإقصاء من السلطة
أحد أكبر أسباب الاستياء هو إقصاء أهل السنّة من المناصب المهمة في الدولة، من الحكومة إلى القضاء. هذا الإقصاء يجعل كثيرين يشعرون بأنهم ليسوا شركاء في البلد بل “آخرون”، وكما وصف بعض قادة النظام، مجرد “حطب وتبن” في السياسة.
بالإضافة لذلك، تقييد المدارس والمساجد السنية، وفرض التعليم الرسمي للتشيع في المدارس الحكومية والمناسبات الوطنية، زاد من ضيق المجال أمام أهل السنّة وأضعف الثقة الاجتماعية.
الحرمان الاقتصادي وتخلّف المناطق السنية
المناطق التي يقطنها السنّة، مثل كردستان وبلوشستان وهرمزغان وخراسان، تعد من أفقر مناطق إيران. البطالة مرتفعة، والخدمات الصحية والتعليمية محدودة، والمشاريع التنموية متأخرة. هذا الواقع يعكس أن التمييز الديني غالبًا ما يتداخل مع التمييز الاقتصادي، ما يزيد الفجوة بين المركز والمناطق النائية.
الضغوط السياسية والأمنية
الإعدامات، وملاحقة عائلات النشطاء، ومصادرة الممتلكات، والتهديدات الداخلية والخارجية كلها أمثلة على سياسة الإقصاء والقمع. هذه السياسات لم تحل المشكلات، بل زادت من انعدام الثقة والكراهية بين الناس والنظام.
ردود الفعل في الأحداث الإقليمية
مثال واضح هو الهجوم الإسرائيلي الأخير على المراكز العسكرية الإيرانية. رغم كراهية الكثيرين للسياسات الإسرائيلية، فإن تراكم عدم الثقة بالحكومة جعل الناس لا يظهرون تعاطفًا مع المسؤولين. بالمقابل، النخب السنية داخل إيران وخارجها، ومعهم مسلمو العالم الذين تأذوا من تدخلات إيران، اعتبروا الهجوم تعديًا على الأراضي الإسلامية وأدانوه.
هذا الموقف يظهر أن أهل السنّة رغم احتجاجهم على التمييز الداخلي، يظلون ملتزمين بالدين والوطن وحماية القيم الإسلامية.
الدروس التاريخية وخطر الانقسام الاجتماعي
سقوط الأنظمة الاستبدادية في العراق وليبيا وتونس ومصر وسوريا يظهر أن تجاهل مطالب الشعوب والتنوع الاجتماعي يؤدي حتمًا إلى الانهيار. اليوم، تُسمع أصوات الانفصال والانقسامات القومية في إيران، نتيجة مباشرة للسياسات الاحتكارية والسيطرة على السلطة.
إيران اليوم بحاجة ماسة لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والشعب. يجب على الحكومة:
- ضمان المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن المذهب أو القومية.
- تنفيذ تنمية متوازنة في المناطق الفقيرة.
- احترام الحريات الدينية والثقافية.
- اعتماد الحوار الوطني بدل القمع والإقصاء.
بعد الهجوم الإسرائيلي، لجأ كبار القادة إلى الملاجئ بدل مواجهة الشعب، ما يبيّن فجوة كبيرة بينهم وبين الناس وخوفهم من المستقبل.
الحل ليس في المزيد من القمع والتمييز، بل في الإصلاح والمصالحة الوطنية. التجارب التاريخية تظهر أن الظلم لا يدوم، وأن أي نظام يبني سلطته على التمييز والاستبداد سيواجه نهايته في النهاية.