د. وصفي أبو زيد يكتب: المعاني الحضارية المكتسبة من «طوفان الأقصى» (2)
«2» تعزيز الرضا والصمود
«عجبا لأمر المؤمن» بهذه العبارة استفتح النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه الشريف، وبهذا العجب؛ لأنه عجبٌ فعلا، “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له” [أخرجه مسلم “2999” من حديث صهيب الرومي].
وإن ما رأيناه من رضا أهل غزة واحتسابهم لما أصابهم من لأواء، وما لاقوه من آلام وعناء، وما فقدوه من أهل وأولاد وأزواج وأحباب، رأينا ذلك على لسان العامة والخاصة، المعروفين والمجهولين، القادة والجنود، مما يؤكد أن هذا الشعب كتلة واحدة وجسد واحد، وإيمان واحد، ولا شك أن مصدر هذا هو الإيمان الذي صدر النبي مشهده بالعجب!
وبما يوازي هذا الرضا برز مشهد الصمود والتحدي، والإرادة والعزم والقوة والمضاء، على البقاء في الأرض، والحفاظ على العرض، والمضي قدما في مواجهة هذا العدو: جهادا ومقاومة حتى التحرير الكامل للقدس والأقصى والأسرى وكامل فلسطين.
كان هذا الرضا والتحدي مصدر تعزيز لإيمان المؤمنين وإسلام المسلمين، كما كان – سواء بسواء – مبعث دهشة ومنبع تساؤل عالمي من غير المسلمين: ما الذي يحمل هؤلاء على الرضا والتسليم، وما الذي يقودهم إلى التصدي والصمود والتحدي رغم هذا الأم الكبير والفقد الجسيم؟ فلم يجدوا إجابة سوى أنه الإسلام العظيم وعقيدته الصافية النقية، مما قادهم إلى البحث فيه والتنقيب عنه، فما لبث كثير منهم أن دخلوا في الإسلام، فكان أهل غزة راية للدعوة بدمائهم وأرواحهم، وبصبرهم وثباتهم ورضاهم؛ فدخل الناس في دين الله أفواجا.