لا شك أن القواعد الفقهية روحها مقاصد، وأبعادها الإنسانية هي مقاصدية بالأساس، فالقواعد الفقهية لا يقتصر تطبيقها على المسلمين فقط، فقد يستفيد منها غير المسلمين لأنها قوانين دستورية حاكمة للعقل وضابطة للتفكير ومنظمة لحركة الحياة، وهذا من عظمة الفقه الإسلامي وقواعده.
القاعدة الأولى من القواعد الكلية الكبرى هي: «الأمور بمقاصدها» وهي صريحة في مقاصدية القواعد، وموضوعها أفعال المكلفين معتبرة بمقاصدها، كما أن نيات المكلفين معتبرة في الأقوال والأفعال.
«المشقة تجلب التيسير»، رعاية التيسير والعناية به والحفاظ عليه هو من مقاصد الشريعة.
«الضرر يزال»، «لا ضرر ولا ضرار» كل هذا من المقاصد، فالشريعة جاءت برفع الضرر وتقليل المفاسد ودفعها، وجلب المصالح وتكثيرها بحسب الإمكان.
وهناك أمر مهم في العلاقة بينهما -هو جديد لم أقرأه فيما قرأت- أن إجراء القواعد واعتبارها وتطبيقها والتزامها يثمر المقاصد الشرعية الحقة بعيدا عن المقاصد الموهومة أو غير المعتبرة، فالتيسير الحقيقي بوصفه مقصدا عاليا لا يكون إلا إذا كانت هناك مشقة تستدعيه وتتطلبه، والضرر يمنع من الحصول، ويدفع إذا تحرك، ويرفع إذا وقع، فالاستناد لهذه القاعدة يحقق المقاصد بجلب النفع ودفع الضر، و«الغرم بالغنم» يحقق رعاية الحقوق والواجبات بما لنظرية الحق من علاقة بالمقاصد، وهكذا فإن التزام القواعد ورعاية الشروط والضوابط يثمر المقاصد المنضبطة، ويجنبنا الانحراف التأصيلي والتنزيلي في المقاصد.
فالعلاقة إذن واضحة بين القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، وكل هذا مأخوذ من نصوص الشرع التي هي مقاصد، فالمقاصد نصوص والنصوص مقاصد، والقواعد الفقهية روحها مقاصد، وغالب نصوص القواعد مقاصدية، وهذا ملمح يستحق إفراده بالدراسة.
والله أعلم