د. وليد عبد الحي يكتب: «إسرائيل».. القوة الحائرة
سأبدأ مقالي بسؤال محدد، وأتحدى أن يقدم لي أي أحد جوابا علميا موثقا على هذا السؤال: ما هو الحل الذي يتبناه بنيامين نيتنياهو للقضية الفلسطينية؟
من متابعتي لكل ما كتبه، وحرصي على تدوين كل ما يصرح به، بل واستنادا لدراستي المنشورة حول سيكولوجية نيتنياهو وأنماط تفكيره، أؤكد أن بنيامين نيتنياهو لا يمتلك حلا قابلا للتطبيق، ويكفي أن أعرض رايه في الحل:
أ- يرفض رفضا تاما حل الدولتين ويصر على حل الدولة اليهودية
ب- يرفض رفض تاما حل الدولة الواحدة التي تجمع اليهود والعرب على قدم المساواة
ج- يرفض فكرة إعادة الوحدة بين الضفة الغربية والأردن
بالمقابل، هناك حلول يدرك تماما أنها غير قابلة للتنفيذ وهي:
أ- التهجير للفلسطينيين:
طبقا للإحصاء الإسرائيلي فإن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (1948 والضفة وغزة) يفوق عدد اليهود بحوالي 200 ألف نسمة (7.4 مليون فلسطيني مقابل 7.2 مليون يهودي)، وهو ما يعني أن تهجير مليون أو مليونين لا يحل المشكلة لا على المستوى القريب ولا المتوسط ولا البعيد.
ب- أن الدول العربية المجاورة -ولكل أسبابها الداخلية- لا توافق على التهجير، وهو ما اتضح في المعركة الحالية، وقد أعلن نيتنياهو عن فكرة التهجير إلى سيناء في بداية المعركة ولكنه هجر الفكرة بدل أن يُهَجِر الفلسطينيين.
ج- بقاء الوضع السائد من 1967، وهو ما يعني بقاء الاحتلال، وهو حل لن يجلب إلا عدم الاستقرار، ونموذج ذلك جنوب افريقيا، وسيزيد من الاضطراب في إسرائيل ذاتها، وللتدليل على صحة ما نقول، فإن الفترة من 2014 إلى بداية 2024 تشير إلى أن عدم الاستقرار في إسرائيل خلال العشر سنوات الماضية ارتفع 8 مرات، وبلغ مع مطلع 2024 ما معدله 92% ( -2.3 من الحد الاقصى وهو – 2.5 على مقياس كوفمان)، وهو ما جعل إسرائيل تحتل المرتبة 181 بين 193 دولة في معدل الاستقرار السياسي، وقد رفعت عملية طوفان الأقصى معدل عدم الاستقرار في إسرائيل من ( سالب 1.29 عام 2022 إلى سالب 2.3 في نهاية 2023).
د- أوهام القضاء على حماس، ووهم استعادة الرهائن دون أي تنازل إسرائيلي، لكن المقارنة تشير إلى أن إسرائيل تسيطر على الضفة الغربية منذ 57 سنة، ومع ذلك يقدر معهد الأمن القومي الإسرائيلي أن عدد الهجمات في الضفة الغربية بما فيها القدس على أهداف إسرائيلية بمختلف الوسائل خلال فترة طوفان الأقصى هو ثلاثة آلاف و58 هجوما (بمختلف الوسائل) خلال الفترة من 8 أكتوبر 2023 إلى نهاية أبريل 2024، فهل هذا كاف لإقناع نيتنياهو أن الاستقرار له لن يأتي في ظل تفكيره الحالي؟
موضع الحيرة:
أن معاينة السياسة الإسرائيلية طيلة فترة نيتنياهو تشير إلى المعطيات التالية:
1- معدل الاضطراب الداخلي في المجتمع الإسرائيلي هو الأعلى منذ توليه السلطة
2- درجة النقد الدولي الرسمي والشعبي للسياسات الإسرائيلية هي الأعلى في تاريخ إسرائيل منذ 1948
3- درجة التأزم في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية هي الأعلى قياسا للمراحل السابقة في العلاقة بين الطرفين (بغض النظر عن آثار ذلك، لكنها هي الأعلى قياسا للعلاقة مع الحكومات الإسرائيلية السابقة).
4- أن أعلى رقم لتهجير المستوطنين، واطول فترة لتهجير المستوطنين خارج مستوطناتهم تتم في فترة حكمه، فهل هذا انجاز؟
ماذا يعني ذلك:
نحن امام دولة ليس لديها حل ممكن لمشكلتها الرئيسية، تتغذى على فكرة أنها الاقوى، لكن قوتها لا توصلها لأهدافها، فهي قوة حائرة لأنها عاجزة عن التخلص من وهم القوة، وعاجزة عن تحويل قوتها الى نتائج تعبر عن هذه القوة، وهنا تتجلي الحيرة.