د. وليد عبد الحي يكتب: التمويه اللغوي للتسلل العربي نحو مزيد من التطبيع
يفترض الاستراتيجيون الإسرائيليون أن مرحلة ما بعد المواجهة الحالية سيكون شعارها الرئيسي هو «العودة للمبادرة العربية» التي تم طرحها عام 2002 في بيروت، ولا يرى الخبراء الإسرائيليون ضيرا في إعادة إحياء هذه المبادرة شريطة إعادة التفاوض حول صياغتها.
وتدرك إسرائيل أن فكرة «إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي 1967» تلقى قبولا متزايدا من المجتمع الدولي ومنه الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وأغلب دول العالم، لذلك بدأت إسرائيل في التفكير في كيفية مواجهة هذا الاحتمال وتكييفه للحصول على أفضل المكاسب وأقل الخسائر، وهي تدرك أن أمام إسرائيل مأزقا، فالقبول بالدولة الفلسطينية على أراضي 1967 سيفجر صراعا داخليا بين اليمين واليسار في إسرائيل، وسيكون المستوطنون في طليعة المواجهة في ذلك لا سيما أن عدد المستوطنين حاليا في الضفة الغربية يقارب عدد سكان إسرائيل عند نشوئها، أما البديل الآخر فهو رفض الدولة الفلسطينية رفضا صريحا وهو ما سيضع إسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي كله، وهو أمر خسارته ليست بالهينة، لذلك ولتجنب المأزقين (الصراع الداخلي في اسرائيل أو مواجهة ضغوط المجتمع الدولي) فإن العقل الصهيوني سيعمل على ما يلي:
أولا:
المطالبة بإعادة طرح المبادرة العربية لعام 2002 للمناقشة والتفاوض حولها، وهذا سيفتح المجال بهدوء للتلاقي العلني بين المفاوض «السعودي» باعتباره «صاحب المبادرة» وبين المفاوض الإسرائيلي، وتتم إطالة المفاوضات وتشكيل اللجان بهدف تدشين العلاقة السعودية الإسرائيلية تحت غطاء البحث في تنفيذ المبادرة.
ثانيا:
تتضمن المبادرة العربية -في نسختها القديمة- الإشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وهنا سيذهب المفاوض الإسرائيلي إلى اعادة صياغة هذه الفقرة بكيفية تجعلها قابلة للتأويل لاحقا بخاصة بعد أن تصبح العلاقات السعودية الإسرائيلية أمرا مألوفا ومستقرا، ويبدو أن إسرائيل ستميل إلى صياغة هذه الفقرة على أساس لا النص على حق العودة- كما في المبادرة العربية- بل على أساس بحث موضوع اللاجئين لاحقا وأن يشمل البحث اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين من اليهود الذين جاءوا إلى إسرائيل من الدول العربية خلال الفترة من 1917 الى 1993.. ثم يتم تشكيل لجان لتبحث ممتلكات الطرفين كمقدمة للمقايضة بينهما.
ثالثا:
يدرك المفاوض الإسرائيلي أن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 تعني ضمنيا تفكيك أكبر قدر من المستوطنات، لذلك سيذهب المفاوض الإسرائيلي إلى طرح الموضوع من خلال عبارة: «مقايضة الأراضي»، وهو ما سيسمح لاحتفاظ إسرائيل بأكبر قدر من المستوطنات الكبرى المجاورة لحدود الهدنة عام 1949، ثم الإشارة إلى «الأماكن اليهودية المقدسة» في الضفة الغربية وحق اليهود في الوصول لها «كما في اتفاق أوسلو»، فإذا علمنا أن عدد هذه الاماكن يصل إلى حوالي 18 موقعا يحق لليهود الوصول لها وحراستها برجال أمنها -طبقا لنص اتفاق أوسلو واتفاق واشنطن-، فذلك يعني التخلص من التواصل الإقليمي والسيادة الفلسطينية من خلال مبدأ مقايضة الأراضي من ناحية والوصول للأماكن الدينية اليهودية من ناحية ثانية بخاصة أن هذه الأماكن موجودة في الأغوار ونابلس وغيرها الكثير، وهو ما يؤسس لمرحلة أكثر وضوحا في التوجهات الإسرائيلية نحو تحقيق مشروع نيتنياهو «الدولة اليهودية» في كل فلسطين.
رابعا:
ستعمل الدول العربية عند بدء التفاوض على إحياء المبادرة العربية على أن يكون التمثيل الفلسطيني بعيدا عن أي مشاركة لتنظيمات المقاومة مهما كانت نتائج معارك غزة، وستساند الدول المطبعة هذا التوجه (مصر والأردن ودول الخليج والسودان والمغرب و«آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم»، ومن المؤكد أن الفريق الفلسطيني المفاوض سيتم تشكيله بنفس الطريقة التي تم فيها اختيار الفريق القائم حاليا والتي وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في كتابها بدقة وتفصيل. (كتاب No Higher Honor- الصفحات من 77 الى 386).
خامسا:
فيما يتعلق بالقدس، فستعمل إسرائيل على إرجاء الموضوع، ثم ستطرح فيما بعد «وصاية» مشتركة على الأقصى تشمل إلى جانب الأردن كلا من السعودية وتركيا وربما حضور رمزي للأزهر والمغرب (على أساس أن المغرب ترأس لجنة القدس)، ولن يتم هذا إلا بعد أن تكون حركية الانفتاح العربي على إسرائيل قد ازدادت نشاطا وأصبح التنازل أمرا مفروغا منه لدى العقل والشعور العربي.
إن افساد ذلك كله مرهون بشكل اساسي بمحور المقاومة، وبكيفية ادارة المعركة العسكرية والسياسية.. وهو امر يستحق التفكير في امكانياته.. في مقال قادم..