مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: السياسة الاردنية وطوفان الاقصى

شكلت عملية طوفان الاقصى نقطة تحول في البيئة السياسية الشرق أوسطية، ونظرا للتشابك التاريخي بين القضية الفلسطينية والسياسة الاردنية، فمن الطبيعي ان تكون الاردن وعاءً تتفاعل فيه انعكاسات تداعيات الطوفان المحلية والاقليمية والدولية في الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وبشكل أعمق من تفاعلاتها في دول اخرى.

وانطلاقا من سند قانوني دستوري بحق الخلاف في الرأي، وتسلحا بما نصت عليه الأوراق النقاشية الملكية بخاصة الورقة الرابعة (نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة) والتي نصت على «حماية الحيز العام المتاح للتعبير الحر عن الآراء السياسية المختلفة» ثم النص على «أن الاختلاف في الرأي والمعارضة البناءة …تشكل أحد أهم الوسائل التي يعبر المواطن من خلالها عن ولائه للوطن»، ثم تصل الورقة إلى القول «أن عدم الاحترام لا يكون في الاختلاف في وجهات النظر وانما في رفض الاستماع لوجهات النظر المختلفة».

فأنني أرى ان من حقي مناقشة السياسة الاردنية تجاه تداعيات الطوفان على النحو التالي:

أولا: ان خصوصية العلاقة التاريخية بين فلسطين والاردن تستوجب خصوصية السلوك الاردني مقارنة بسلوك الدول الاخرى، فتقديم المساعدات الانسانية  لسكان القطاع عمل تمارسه عشرات الدول بما فيها دول لا تربطها بالقضية الفلسطينية أية روابط ،بل إن دافعها انساني محض مثل النرويج او فنلندا أو ماليزيا او كوبا…الخ، بل ان الدول الاخرى تطوعت لمطاردة اسرائيل في المحاكم الدولية كما فعلت جنوب افريقيا مع محكمة العدل الدولية ،وكما فعلت المكسيك والتشيلي مع المحكمة الجنائية الدولية بل وكما فعلت بعض الهيئات غير الحكومية السويسرية برفع دعاوى ضد الرئيس الاسرائيلي.. ذلك يعني ان على السياسة الاردنية ان تزاوج بين سياسة «الدفاع المدني» والسياسات الاستراتيجية، فتقديم المساعدات الانسانية عرف دولي تمارسه اغلب دول العالم مدفوعا بحس انساني ويظهر في الصراعات والكوارث الطبيعية بخاصة منذ بداية مأسسة هذا العمل الانساني الدولي عام 1863 في سويسرا ثم لجنة شندونيغ للمساعدات في وقت المجاعة في الصين عام 1876.

ثانيا: لقد فجرت عملية طوفان الاقصى عنفا متبادلا في الاقليم الشرق اوسطي، ونرى آثاره في اضطراب التجارة العالمية في البحر الاحمر وفي انخراط او تهديد بانخراط امريكي بريطاني في عمليات عسكرية في سوريا والعراق ولبنان بشكل مباشر أو غير مباشر، وعندما طالت هذه العمليات العسكرية الاردن وجدت اعلاما اردنيا مرتبكا يجعل المتتبع للأحداث في وضع مرتبك،

وسأشير الى واقعتين:

أ‌- عندما تم الاعلان عن ضرب قاعدة جوية أمريكية في 28 يناير من هذا العام، نفى مسؤولون أردنيون في إعلانات رسمية أن تكون القاعدة في الأردن، لكني تتبعت مصادر الأخبار الدولية والبيانات الرسمية الأمريكية بل والروسية والصينية فكانت تؤكد أن القاعدة في الأردن، وانهالت الخرائط التوضيحية في وسائل الإعلام لتوضيح الموقع، وهنا تساءلت: ما هي الحكمة في الموقف الأردني من نفي الخبر؟

ب‌- تواترت أنباء بعد اشتداد الموقف في البحر الاحمر وشلل التجارة البحرية فيه عن «ممر بري بديل» ينقل التجارة إلى إسرائيل عبر (الإمارات – السعودية – الأردن – إسرائيل)، وتداولت مواقع إلكترونية الخبر، وتزاوجت مع الأخبار خرائط وتصريحات بل ومقابلات مع سائقين «قيل» أنهم يقودون شاحنات النقل في الممر البديل.. وعند تتبع الموقف الرسمي وتبرير هذا الأمر فإن الأمر يزيد المحلل أو المتابع إرباكا، فلِمَ هذا الموقف؟ وهو نفس الوضع المربك للمتابع في موضوع تصدير الخضروات لإسرائيل..

ثالثا: ما مدى اتساق الموقف الأردني الرسمي مع الموقف الشعبي الأردني؟ لقد دعوت سابقا لاستفتاء شعبي يطرح فيه سؤال محدد: هل تؤيد قطع العلاقة مع إسرائيل أم لا؟ فلماذا لا نعزز سياستنا بسند شعبي يتم إعلانه للعالم الذي يدعو للديمقراطية واحترام إرادة الشعوب؟ ثم ما هي الفوائد الاستراتيجية التي جنتها الأردن مع «السلام من إسرائيل»، بخاصة أن إنفاقنا العسكري تزايد منذ وادي عربة، وإذا قيل أن التهديدات ليست من إسرائيل فقط، فهل لأحدٍ أن يدلني على تهديد للأمن الأردني ليست لإسرائيل خيوط في نسيجه؟

رابعا: تبدو السياسة الخارجية الأردنية تجاه إسرائيل في جوهرها سياسة «وعظية»، فهي تدين وتشجب وتطالب إسرائيل والمجتمع المدني بالضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها في غزة، أي أن سياستنا تطالب العالم باتخاذ «إجراءات» للضغط على إسرائيل، وهنا أتساءل: ما هي الإجراءات الأردنية التي تم اتخاذها للضغط على إسرائيل ليقتدي العالم بنا؟ ثم لو طلبنا من وزارة خارجيتنا وضع مقياس كمي لتحديد أثر إدانتنا للسلوك الإسرائيلي على السلوك الإسرائيلي الميداني، فماذا ستكون نتيجة القياس؟

خامسا: يبدو أن نسبة معينة من رجال دولتنا ما زالوا أسيري الإعلام التقليدي، ويبدو أنهم لم يتهيأوا لانتهاء مرحلة الاحتكار الإعلامي الرسمي للفضاء الإعلامي وبخاصة السياسي منه، فالمعارك الآن تدار على الشاشات، وما تخفيه الدول تفضحه وسائط التواصل الاجتماعي، وما تخفيه دولة تفضحه أجهزة تجسس عشرات الدول الأخرى، فمسلسل ويكيليكس لن يتوقف، فهل يقود إعلامنا من ينتمي للعصر؟

اللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا…

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى