د. وليد عبد الحي يكتب: الكذب ملح الرجال
في عام 1956 وضع جمال عبد الناصر دستورا جديدا لمصر، ورشح نفسه لانتخابات رئاسية، وفاز بنتيجة 99.9%، وتمت الموافقة على دستوره بنسبة 99.8%، وفي سوريا فاز بشار الأسد في انتخابات 2021 بنسبة 95.16%، وفي عام 2002 فاز صدام حسين بنسبة 100% (نعم 100%)، وفي 2004 فاز زين العابدين بن علي في تونس ب 94.48%، أما السيسي ففاز في مصر في عام 2023 بـ89.1% (وكان قد فاز في 2014 و2018 بحوالي 96.3%).. أما في الجزائر ففاز الرئيس الحالي في هذا العام بنسبة 94.65%….
اما الرئيس الفرنسي ماكرون ففاز في 2022 بنسبة 58.54%، وفازت رئيسة الهند الحالية بنسبة 64.03%، وفاز ترامب بحوالي51%، وفاز الرئيس السنغالي بـ53.7%.. وفاز رئيس نيجيريا في عام 2022 بـ37.62%، أما في اندونيسيا، ففاز رئيسها الحالي في انتخابات 2024 ب 58.6%…
استدلال:
1- ان معدل ما يدعي الرئيس العربي بفوزه هو ما يقارب 95% بينما في بقية العالم الصناعي والعالم النامي هو حوالي 54 %، أي أن هناك حوالي 40% من النتائج العربية تمثل الفارق بين الرؤساء العرب وغيرهم.
فإذا كانت نسبة الملحدين في العالم 17%، فهل تحظى أيها الزعيم العربي بنسبة تفوقت على «شعبية الله»؟
2- اما بقية الحكام العرب فهؤلاء لا يؤمنون بالانتخابات أصلا، فهم هبة من الله وأشياء أخرى، فهم امتداد «لظل الله في ارضه» وهؤلاء هم من قال عنهم «ابن هانئ»: ما شئت لا ما شاءت الاقدار: فاحكم فانت الواحد القهار.
3- لماذا يصر الحاكم العربي على فوزه بما يتجاوز 90%، انه مريض نفسي وبحاجة لعلاج لا للجلوس على كرسي السلطة، فانتخابه بـ50.1% يتساوى دستوريا مع فوزه بـ99.99%، فلماذا يصر على النتيجة غير المعقولة؟ انه يصر عليها لأنه «غير معقول هو نفسه»، وحوله قطيع من المرضى مثله.
صورة الحاكم:
ثمة فارق بين مجتمع وآخر في صورة الحاكم في الذهن المجتمعي، فهناك مجتمعات لا ترى في الحاكم أكثر من موظف، له مهام وله أجر وله مدة محددة، ويمكن محاكمته وعزله بالقانون مثل أي موظف آخر، ولا توزع صوره في الشوارع والأسواق، ولا يتغنى به المطربون والشعراء، انه شخص مثل عامل النظافة والجندي والمعلم، انه قطاع عام وليس خاصا…
اما في عالمنا العربي، فالغناء له، والشعر له، والحكمة تخلو من كل الرؤوس الا رأسه، هو فوق القانون، لا يحاسبه أحد، كذبه هو الصدق بعينه، وفساده هو معيار الشفافية، بل حتى ريحه تتمناها الزهور في حدائقنا..
اشرت سابقا الى ان العالم العربي خضع خلال فترات ما بعد الاستقلال الى 134 حاكما، فمن منهم أرسى دعائم ديمقراطية تتساوى لا مع النرويج او السويد بل مع الهند وباكستان واندونيسيا ونيجيريا والسنغال…؟
أخيرا..
لن يتحرر العرب الا إذا تعاملوا مع الحاكم كموظف…وتوقفوا عن التصفيق والمكايدة لبعضهم البعض، والحاكم الذي يصدق انه نال فوق 90% من الشعب هو كذاب كذاب كذاب.. ولا تصفقوا لأي حاكم حتى لو أحسن وأجاد، ولا تغنوا ولا تصفقوا لاي حاكم حتى لو أباد كل الأعداء وحرر كل فلسطين وبعدها الاندلس..
لكن أمة ترى أن «الكذب ملح الرجال» اقول لها بِئْسَ ملحكم هذا، ولاحظوا ان الرجل في اللغة العربية «هي مفردة لها ظلال قيمية وتختلف عن مدلول الذكر»، فهي تعني القوة والبطولة والشهامة والشجاعة…الخ، وهذه الخلطة من القيم ملحها هو الكذب…بئس هذا الملح مرة أخرى.