د. وليد عبد الحي يكتب: الموقف «الأردني – المصري» من خطة ترامب.. نظرة للمستقبل

يُشكل الإعلان الرسمي لكل من الأردن ومصر برفض خطة ترامب للسيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه مقدمة لوضع تصور استراتيجي تتبناه الدولتان وبخاصة في القمة العربية القادمة في القاهرة، وأرى أن افشال مشروع ترامب يحتاج من الدولتين تصورا متكاملا من ناحية ومتحللا من النظرة الراهنة باتجاه نظرة استراتيجية مستقبلية من ناحية ثانية، ويبدو لي أن هذه النظرة يجب ان تستند في أسس بنائها على ما يلي:
أولا: شخصية ترامب:
ان ترامب -واستنادا لمنظوره التجاري البحت والضيق- سيتراجع عن خطته بكيفية او أخرى إذا شعر ان مكاسبها اقل من خسائرها، فالمساومة هي قاعدة تفكيره، فهو ليس شخصا مؤدلجا يتمترس خلف رؤى قيمية مطلقة ، ولا يرى ضيرا في التراجع ،
كما انه لا يحترم “مفهوم العلاقات التاريخية، ولا تعنيه التحالفات التقليدية”، ويكفي النظر في مواقفه من حلفائه،
فهو يقود حربا تجارية على خصومه وحلفائه على حد سواء، ذلك يعني أن المطلوب الأول هو خلق بيئة إقليمية –من خلال القمة العربية- تجعله يشعر باحتمال الخسارة في حالة إصراره على موقفه،
واعتقد ان ذلك يؤسس لتغير في موقف ترامب الذي لديه قناعة ان العرب “ثرثارون”،
فإذا شعر بان هذا غير صحيح من خلال موقف راسخ غير مساوم فان ذلك يؤسس لتعديل في مواقفه خلال بقية سنواته الأربع .
لقد درست شخصية ترامب استنادا لعدد من المراجع ولبعض كتبه،
وكنت قد كتبت في مقال سابق وقبل ان يتولى ترامب السلطة “أنه سيطرح فكرة تهجير غزة إلى كل من الأردن ومصر”
ولم يصدق أحد ما توقعته.. وها نحن نعيش اللحظة.
ثانيا: عدم الاستقرار:
إن أي تصور للتداعيات المستقبلية للقبول بخطة ترامب –بأي شكل او مستوى- يعني الانتقال من تهجير غزة الى تهجير الضفة الغربية،
بل ولاحقا تهجير سكان الجليل من الفلسطينيين، وهو ما يعني حالة من عدم الاستقرار قد تستغرق ما بين 30-40 سنة.
ومن الضروري هنا العودة للتاريخ، فكل تنازل عربي لصالح إسرائيل يقود الى أزمات أكبر واعمق واطول زمنا،
ويكفي النظر في مؤشر عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية منذ 1967،
وأؤكد أن معدل عدم الاستقرار في المنطقة بعد كل تنازل لصالح إسرائيل ازداد عن المرحلة السابقة على التنازل،
ويكفي العودة لنموذج كوفمان لقياس الاستقرار السياسي خلال الفترة من 1994-2024 (ثلاثين سنة)
لنتبين ان 97.2% من العرب يعيشون في مناطق تزداد عدم استقرار، ووقعت كل الدول العربية تقريبا ضمن المنطقة السالبة في عدم الاستقرار ،
كما ان ترتيبها(عام 2024) يأتي بين المرتبة 110 و 193 بين دول العالم في عدم الاستقرار السياسي.
ذلك يعني ان القبول بخطة ترامب سيترتب عليها تعميق عدم الاستقرار المحلي والإقليمي،
لأن ظاهرة عدم الاستقرار هي أحد الظواهر السياسية الأكثر قبولا للانتشار (Spillover)،
وهو ما يستوجب الرفض القاطع الواضح لخطة ترامب، لأن ما يترتب عليها سيكون أكبر من كل ما مضى فهي شر مستطير.
ثالثا: المواجهة:
أكاد أجزم ان مواجهة مشروع التهجير ممكن وبقدر كبير، ويشترط بعض الخطوات:
أ- كلما كان الإسراع في عملية إعادة الإعمار كانت مقومات تثبيت الشعب الغزي في ارضه اقوى،
لذا على الدول العربية النفطية بخاصة (مجلس التعاون الخليجي والعراق والجزائر وليبيا) أن تساهم في حدود مساهمتها في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي،
فإجمالي الناتج المحلي العربي (الاسمي) هو 5.20 تريليون او 13.14 تريليون (المعادل الشرائي)،
فإذا كانت تقديرات الاعمار تصل الى 50 مليار دولار ، فهذا يعني ان على العرب ان ينفقوا ما بين 1%(الاسمي) الى 0.4%(المعادل الشرائي) لعام واحد فقط،
فإذا حسبنا احتمال الحصول على مساعدات من دول العالم الإسلامية وغيرها ،
فإن المطلوب سيكون بين 0.8% الى 0.1% من اجمالي الناتج المحلي العربي بنمطيه الاسمي او المعادل الشرائي.
لذا على مؤتمر القمة أن يكون قراره الأول هو إنشاء صندوق فوري للإعمار،
مع لجنة عربية تقوم بنشاط دبلوماسي واسع لتغطية المطلوب المالي من كل الأطراف العربية وغيرها،
مع السعي لفتح المجال لصناديق تبرعات شعبية في كل دولة، وهو ما سيؤدي لتخفيض العبء على الميزانيات الحكومية.
إشكالات لا حصر لها
ب- عدم اتخاذ قرارات “إشكالية” بخاصة حول من يدير قطاع غزة خلال العام القادم على الأقل، لأن ذلك سيفتح المجال لإشكالات لا حصر لها،
بل وسيعطل عمليات الاعمار، ذلك يعني ضرورة ترك ذلك للإدارة الغزية الحالية الى حين إتمام الاستقرار الاقتصادي والحياتي ثم يتم بعد ذلك ترتيب الوضع السياسي.
أن طرح تشكيل إدارة غزية جديدة يعني تعطيل تقديم المساعدات بل والتأثير على كميات هذه المساعدات،
لذا لا بد ان تترك الدول العربية وبخاصة الأردن ومصر اية حساسيات من بعض التنظيمات الفلسطينية في غزة الى حين تحقيق الاعمار،
وإلا فان خلق اضطراب سياسي في القطاع سيعزز من مبررات ترامب لخطته.
ت- من الواضح أن كل دول العالم (193 دولة في الأمم المتحدة) باستثناء أمريكا وإسرائيل لم تبد أي موقف داعم لخطة ترامب،
بل إن الموقف الأوروبي بما فيها بريطانيا أعربت عن اعتراضها على الخطة،
كما أن أغلب المنظمات الدولية المختلفة وأغلب قطاعات الرأي العام الدولي تعترض بل وتستهجن الخطة،
ناهيك أن 145 برلمانيا أمريكيا أصدروا بيانا واضحا برفض الخطة،
كما أن رموزا أمريكية من المفكرين والادباء والفنانين والإعلاميين “سخروا” من الخطة،
وهو ما يجعل الطرف العربي يتحرك في بيئة دولية مواتية.
ج- ضرورة تجنب البحث في موضوع نزع سلاح المقاومة، لان نزع السلاح يعزز الموقف اليميني الإسرائيلي،
ويضيف غواية على غواية ترامب، فلا بد ان يكون سلاح المقاومة خارج “المقايضة” ولو من منظور تفاوضي مؤقت.
توحيد كافة الفصائل المسلحة
د- اعتقد ان على المقاومة في غزة أن تعلن عن “توحيد كافة الفصائل المسلحة” تحت قيادة واحدة لتبدو وكأنها جيش تقليدي يخضع لقيادة واحدة،
دون أن يعني ذلك تذويب الفصائل السياسية في كيانية تنظيمية واحدة.
إن المقصود هنا هو تقديم عناصر المقاومة على نهم جيش نظامي كما هو الحال في كل دول العالم،
واعتباره جهازا للحماية والامن الداخلي للمرحلة القادمة والى حين اعلان الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين
(وهذه المسألة يراد بها امتصاص زخم خطة ترامب الى حين ضمان استقرار المجتمع الغزي واضعاف غواية الهجرة).
هـ- يجب ان يقتصر عمل القمة القادمة على الموضوع الفلسطيني فقط وحصريا،
فقد تدفع بعض الأطراف لفتح ملفات أخرى لخلق خلافات يجري توظيفها لتبرير الانسحاب من الالتزامات المالية او السياسية.
ز- اما موضوع المرضى من كافة الفئات، فالأرقام المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات تشير إلى أن في العالم العربي حوالي 6900 مستشفى (عام وخاص) في الدول العربية،
فلو وزعنا كل جرحى غزة على المستشفيات العربية فان نصيب كل منها سيكون ما بين 15-20 مصابا،
وهو امر لا يشكل عبئا على أي دولة مهما كان وضعها الصحي او الاقتصادي.
هل ستكون القمة عند الحد الأدنى من هذه المطالب…؟ لننتظر الأسبوعين القادمين..
أملي أن لا يتم تأجيل الاجتماع، وأملي أن يحضر الزعماء ولا يرسلوا مندوبين عنهم …فربما.