د. وليد عبد الحي يكتب: ثغرات التفاوض حول تداعيات طوفان الاقصى

ثمة فروق هامة ولها تعقيداتها بين أنماط التفاوض، فهناك أولا التفاوض المباشر بين طرفي نزاع (Dispute) (مشكلة يجري البحث في تسويتها بطرق سلمية) أو طرفي صراع (Conflict) (مشكلة يجري تسويتها بطرق خشنة) وهناك ثانيا تفاوض غير مباشر بين طرفي نزاع أو صراع، والتفاوض غير المباشر يتم بين قوى لا «تعترف بشرعية بعضها، أو لا علاقات دبلوماسية معها، أو قوى أحيانا ما دون الدولة أو ما فوق الدولة».
وتمثل الوساطة (خلافا للتحكيم أو التقاضي أو المساعي الحميدة.. الخ) منهجية لتسوية النزاعات أو الصراعات في العلاقات الدولية، وتكون مهمة الوسيط نقل وجهات النظر بين الطرفين بخاصة في حالة التفاوض غير المباشر (بحكم انكار الطرفين للعلاقة الرسمية بينهما)، ولكن الشرط الرئيسي للطرف الوسيط أن يكون نزيها ومقبولا من الطرفين، وله أن يقدم اقتراحات وينقل وجهات النظر بأمانة.
وعند النظر في سلسلة المفاوضات بين المقاومة واسرائيل خلال معركة طوفان الاقصى يجب التنبه لما يلي:
1- أن لجنة التفاوض تضم الولايات المتحدة وإسرائيل (وهما عدوان للمقاومة لا وسيطان) ومصر (التي تتقاضى من الفرد الغزي الذي يريد الخروج لأي سبب عدة آلاف من الدولارات في الوقت الذي لا يجد فيه هذا الشخص الماء ولا الغذاء ولا الدواء وفي الوقت الذي يؤكد أبرز خبراء القانون الدولي من المصريين أن معبر رفح هو معبر فلسطيني مصري فقط، ومع ذلك يجري ابتزاز الفلسطينيين بهذا الشكل القاسي للغاية، ولسنا بحاجة للتأكيد على أن مصر الرسمية لا تنظر الى المقاومة الفلسطينية كحركة تحرر بل كامتداد تنظيمي للإخوان المسلمين التي يناهضها النظام (وأغلب الانظمة العربية) العداء، ثم هناك طرف رابع وهو دولة قطر، وهي قاعدة دبلوماسية الإنابة (Proxy Diplomacy) الأمريكية، فكلما أرادت الولايات المتحدة التواصل مع طرف لا تقيم معه علاقة، او تصنفه تصنيفا سلبيا، تدفع قطر لتنوب عن الدبلوماسية الأمريكية في هذا التواصل، وهو ما عبر عنه حمد بن جاسم بشكل صريح في شريط موجود على الإنترنت حيث يقول «نحن مقاولون من الباطن؛ تأتينا المطالب من الغرب.. ونحن ننفذ» (ولعل هذا هو ما جرى من تواصل قطري مع إيران وحزب الله وطالبان وحركات المقاومة الفلسطينية واليمن وتشاد وباكستان وليبيا وصولا إلى فنزويلا والسودان وأفريقيا الوسطى ومع جيبوتي وإريتريا والصومال وكينيا… الخ)، ولكن الوسيط يجب أن يتمتع بعلاقة مقبولة من طرفي الخصومة، وهنا تستثمر قطر «ذهب المُعز» للتقارب بخاصة مع خصوم الولايات المتحدة، وهو ما يفسر دعمها المالي للفصائل الإسلامية في فلسطين (وسابقا في لبنان وسوريا وغيرها)، ومقابل هذا التوكيل الأمريكي لقطر تقوم الولايات المتحدة بحماية قطر من خلال نقل أهم قاعدة عسكرية لأمريكا في الشرق الأوسط إلى قطر بخاصة عندما تم استشعار النزوع السعودي لتقزيم دور الوكيل القطري.
ذلك يعني أن المفاوضات تدور مع طرفين عدوين صراحة، وطرفين آخرين، أحدهما لا يريد لهذه المقاومة أن تنتصر لكي لا يتعزز النموذج الديني المقاوم (وتلتقي بذلك مع كل من إسرائيل وأمريكا) والطرف القطري الذي يمثل القفاز الناعم للولايات المتحدة، والذي لا يستطيع رفض المطالب الامريكية لكنه ينقلها ويحاول اقناع الطرف الفلسطيني بقبولها شاهرا «طبق ذهب المُعز».
2- ما سبق يعني أن هناك خلل فاضح في بنية لجنة الوساطة، وهو ما يستوجب إشراك أطراف أخرى للمشاركة في التفاوض سواء كممثل للأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش (والذي اتضحت شخصيته المستقلة)، أو من الصين (التي قدمت نموذجا في التقريب بين إيران والسعودية من ناحية، كما أنها تسعى لتعزيز صورتها السلمية في العالم ولضمان هدوء المنطقة ليسير مشروعها في المنطقة (الحزام والطريق) بيسر لا سيما مع بروز المشروع الهندي المنافس له (الممر الاقتصادي الاوروبي الهندي)، أو يمكن لدولة مثل جنوب إفريقيا أو حتى تركيا (الأكثر استقلالية في أدوارها من قطر أو مصر) أن تساهم في ذلك.. أي ان الخيارات متعددة لإشراك طرف جديد او طرفين للانضمام للجنة، وهذا الطرف يمكن ان يخفف من انحياز اللجنة للطرف الإسرائيلي سواء بدوافع إنسانية (كممثل غوتيرش او مندوب جنوب افريقيا) أو لدوافع إفساد أو تعطيل المشاريع الأمريكية من منطلق الخصومة (كالصين)، وفي كلٍ خير.
3- على المقاومة أن تدرك بعمق -وأظنها كذلك- أن العلاقات القطرية الإسرائيلية هي أعمق وأخطر مهما حاولت قناة الجزيرة «زخرفته»، فالزيارات الرسمية الإسرائيلية للدوحة لم تنقطع منذ 1995 عندما شارك الوزير القطري أحمد الكواري في جنازة إسحق رابين ثم زيارة شمعون بيريز التي شملت زيارة قناة الجزيرة عام 1996 وضمان ظهور الإعلاميين الإسرائيليين على شاشاتها ناهيك عن مكتب التمثيل التجاري، الذي وإن أعلن عن إغلاقه بعد عام 2008، إلا أنه ما زال الإسرائيليون قادرين على الدخول للدوحة بجوازاتهم الإسرائيلية ناهيك عن استمرار مكتب لوزارة الخارجية الإسرائيلية في الدوحة حتى هذه اللحظة، والموساد أقامت مقرا لها في الدوحة طيلة الشهرين الماضيين، وخلال كأس العالم لكرة القدم الأخير، كان الجمهور الإسرائيلي يملأ المدرجات الرياضية في الدوحة.
4- أن التناقض الذي تمت الاشارة له في بعض الوسائط الإعلامية بين مصر وقطر هو نتيجة التباين بينهما في الموقف من الإخوان المسلمين وانعكاس ذلك من خلال قرب قطر من الإخوان (لغرض في نفس أمريكا) ورغبة القيادة المصرية في استبعاد أي عامل يعزز صورة الإخوان في مصر أو حولها.
إن سوء النية والشك أمران لا بد من التسلح بهما في العمل السياسي، فمن مأمنه يؤتى الحَذِر.