بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: دور مؤسسة راند الامريكية في الشرق الأوسط المعاصر

تشكل دراسة مؤسسة راند الأمريكية الصادرة عام 2007 تحت عنوان: «بناء شبكات إسلامية معتدلة»

 Building Moderate Muslim Networks

مرجعا ضروريا للغاية لفهم ما يجري في العالم العربي من 2010 الى الآن بخاصة في موضوعات الاضطرابات السياسية في الدول العربية، وسأعرض هذه الدراسة لأحدد خلال ذلك بعض الدلالات والاستنتاجات:

أولا: موضوعات الدراسة: يقع متن الدراسة في 147 صفحة،

تتوزع على عشرة فصول، وهي:

1- يبحث الفصل الأول في موضوع تحديات الإسلام الراديكالي، ثم يبحث في مَنْ يمكن ان يشارك في هذا التيار من ناحية ومن هم الحلفاء الذين يمكن أن تشكلهم الولايات المتحدة ليقفوا في وجه هذا التيار من ناحية ثانية. وهنا لا بد من التنبيه الى ان التيار الراديكالي طبقا لمضمون الدراسة كلها هو كل من «يعادي أمريكا أو إسرائيل» من التيار الإسلامي، ذلك يعني ان المستهدف هو نزع الصفة التحررية الجهادية من الإسلام باتجاه اسلام مشغول بقضايا اللباس والطقوس وما يماثلها.

تكتيكات هزيمة الاتحاد السوفييتي

2- الفصل الثاني: تركز الدراسة على تجربة تكتيكات الولايات المتحدة لهزيمة الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية خلال الحرب الباردة، وتشير الدراسة الى بناء لجان تدعو للتحرر من النظم الاشتراكية وانشاء مؤتمرات ثقافية واتحادات عمالية ومنظمات طلابية …الخ. مع التركيز على أسباب نجاح الحملة الامريكية.

3- في الفصل الثالث تقارن الدراسة بين تجربة المواجهة في الحرب الباردة مع الكتلة الاشتراكية وبين التحديات في العالم الإسلامي المعاصر.

4- وتستعرض الدراسة في الفصل الرابع البرامج الأمريكية لتحديات المستقبل وبخاصة لجم الإسلام الراديكالي وكيفية الترويج للديمقراطية وبناء المجتمع المدني واستخدام الدبلوماسية العامة (للتواصل مع المجتمع ورموزه ونخبه)، وضرورة تحديد شركاء الولايات المتحدة من الدول الشرق أوسطية للمساهمة في الخطة، وهنا يتم التركيز على أهمية توفير الموارد وكيفية بناء الهيئات المساندة للمشروع الأمريكي.

بناء شبكات إسلام معتدل

5- تنتقل الدراسة في فصلها الخامس الى الجهود الأمريكية لوضع خريطة  طريق لبناء شبكات إسلام معتدل في المجتمعات الإسلامية كلها،

وتقوم هذه الخريطة على أساس تحديد من هم الشركاء في هذا البرنامج من العامة او الخاصة، ثم تحديد من هو المسلم المعتدل،

ومن يقبل بمصادر غير طائفية للتشريع، ويعتني بحقوق المرأة والأقليات،

وتشير الى ان اهم الحلفاء للمشروع هم العلمانيون في المجتمعات الإسلامية، والطرق الصوفية ،والليبراليون،

ويتم التركيز في هذه الشرائح على  التعليم الديمقراطي وعلى دور وسائل الاعلام  والمساواة الجندرية.. وتشير الدراسة الى بعض القضايا الإقليمية،

وهنا يتم التركيز على المسلمين في الغرب وجنوب شرق آسيا ،اما في العالم العربي فلا بد من ربط العلماني والليبرالي لمساندة بعضهم باتجاه نشر القيم الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي،

وتقدم النموذج التركي والاندونيسي كأمثلة على النجاح في غرس القيم الديمقراطية في مجتمعات إسلامية،

كما تدعو الدراسة الى توسيع دائرة الترجمة من العربية للإنجليزية (خاصة الكتابات العربية المعتدلة) والكتابات الإنجليزية (في الدول الإسلامية) للغة العربية.

ثم تتناول ضرورة الاهتمام بتوظيف المسلمين الأمريكيين في هذه الاتجاهات.

تعاطي أوربا مع الإسلام

6- يتناول الفصل السادس التجربة الأوروبية في التعاطي مع الإسلام مع عرض لهيئات المجتمع المدني الإسلامية في أوروبا.

7- ثم ينتقل الفصل السابع لعرض تجربة جنوب شرق آسيا مع إيلاء الاهتمام للمدارس والجامعات ووسائل الاعلام واهم هيئات المجتمع المدني التي تتبنى هذا التوجه.

8- لم يحظ الشرق الأوسط في عرض تجربته الا بأربع صفحات في الفصل الثامن، مع إيلاء التجربة العراقية الاهتمام الأكبر (باعتبارها منتجا أمريكيا مع حكومة بريمر)، لكنه يشير الى ان الإسلام المعتدل في دول الخليج اكثر وضوحا من غيرها لكن هذا الإقليم الفرعي تعوزه التنظيمات لتأطير هذا الإسلام المعتدل.

9- تستعرض الدراسة في فصلها التاسع المنظمات العلمانية والمواقع الالكترونية العلمانية وابرز النخب العلمانية والليبرالية في العالم الإسلامي

10- أما الفصل الأخير فيستعرض الخلاصة والتوصيات، ويركز على ضرورة بناء استراتيجية مبنية على معرفة دقيقة ببنية الواقع الإسلامي، مع التركيز على الليبراليين والقيادات الإسلامية الشابة وجماعات المرأة والكتاب والإعلاميين المعتدلين.

ملاحظات:

تعتبر الولايات المتحدة ان الإسلام المعتدل هو حليفها، ولكن ما هو هذا الإسلام المعتدل: هو الذي تغيب عن أدبيات غيابا تاما الموضوعات التالية:

أ‌- التحرر من الاستعمار المباشر والاستعمار غير المباشر، فالمشروع مثلا يخلو من أي تأثير للصراع العربي الصهيوني على النزعة الجهادية في المجتمع الإسلامي الشرق أوسطي،

وبدلا من ذلك يتم التركيز على موضوع حوار الأديان (وتحديدا حوار اليهودية والإسلام، وتقدم الدراسة نماذج على حوارات بين الحاخامات ورجال دين مسلمين بالأسماء الصريحة)،

وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الجهاد بالمفهوم الإسلامي الأصيل هو مرادف للحرب العادلة في القانون الدولي المعاصر وفي أدبيات الفلاسفة الغربيين أيضا،

والتحرر من الاحتلال الأجنبي هو من أسمى القيم الإنسانية، لكن راند تريد منا أن نحول الجهاد المشروع إلى «إرهاب» في عقول أبنائنا،

فحتى المطران كابوتشي وجورج حبش المسيحي وكوزو أوكوموتو الياباني تضعهم الولايات المتحدة ضمن قائمة «الإرهاب»..

داعش أدوات لتبرير التدخل الأمريكي

ب‌- الغريب أن عشرات الدراسات الأمريكية ومن باحثين أمريكيين مرموقين يؤكدون أن التنظيمات الراديكالية (داعش بأصولها وفروعها) هي أدوات لتبرير التدخل الأمريكي الفاضح،

فطالبان كانت حركة تحرر وهي تقاتل السوفييت ولكنها أصبحت إرهابا عندما قاتلت الأمريكيين،

ويتم التواصل حاليا مع هذه التنظيمات من خلال وكلاء دبلوماسية الإنابة الشرق أوسطية.

ج- الديمقراطية التي تدعو لها مؤسسة راند هي المتجهة نحو الانتخاب والأحزاب، مع عدم اعتراضها على ان يكون للولايات المتحدة دورا في انشاء وتمويل هيئات المجتمع المدني،

أي ديمقراطية بمواصفات تبنيها الولايات المتحدة، فهل شركات الامن الخاصة جزء من هيئات المجتمع المدني؟

د- وتغيب عن الديمقراطية في المشروع الأمريكي موضوعات «سوء توزيع الدخل، وغياب التداول على السلطة في الأنظمة الوراثية»،

فهل تخبرنا راند عن أعلى الدول العربية في احكام الإعدام.. لا تشير لها لان الشركات الامريكية تدير تلك الدول.

هـ- تستعرض الدراسة بعض وسائل الاعلام والفضائيات التي تدعو الدراسة لاعتبارها نموذج للعمل الإعلامي مثل قناة الحرة وإذاعة سوا…الخ ،

لكن ما بين السطور يشير وبشكل لا يحتاج لذكاء كبير الى انشاء قنوات بنفقات عربية تركز على مجتمعات تعادي الولايات المتحدة وتغييب النقد عن مجتمعات تلك القنوات،

فإحدى الدول حكمت 15 عاما على شاعر شعبي بسبب «بيت واحد» في قصيدة واحدة، لكن قناة تلك الدولة  لا تجرؤ على حوار واحد مع ذلك الشاعر.

أخيرا، اعجبتني عبارة وردت في احد روايات الروائي النيجيري الشهير والحائز على جائزة نوبل  «وولي سوينكا» (Wole Soyinka) يقول فيها احد ابطال الرواية: «الكذب ذكاء ،اما الغباء فتصديقه».

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى