بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: ردود فعل المسلمين غير العرب على طوفان الأقصى

مقدمة:

يشكل المسلمون في مجموعهم السكاني نحو 24.9% من سكان العالم بعدد يقارب 1.907 مليار نسمة، ويتوزعون في 48 دولة ذات «أغلبية» إسلامية، كما أن أغلب دول العالم تحتوي على أقليات إسلامية، بل إن بعض الأقليات الإسلامية كما هو الحال في الهند يفوق عددها أغلب الدول ذات الأغلبية الإسلامية. ففي الهند يصل عدد المسلمين نحو 211 مليون نسمة لكنهم لا يمثلون إلا 14.7% من إجمالي السكان، وتكاد أن تكون مظاهرات الجامعة الإسلامية Jamia Milia Islamia University هي الأبرز في نشاطات هذه الأقلية الكبرى في الهند لمناصرة فلسطين، ويشكل مسلمو إقليم جنوب شرق آسيا والهادئ العدد الأكبر بنحو 59.7% من إجمالي عدد المسلمين. وتضم منظمة المؤتمر الإسلامي 57 دولة عضواً بينها 48 دولة ذات أغلبية سكانية إسلامية، أما أكبر عشر دول إسلامية، غير عربية، من حيث عدد السكان فهي:

جدول رقم 1: عدد السكان المسلمين في أكبر عشر دول غير عربية ذات أغلبية مسلمة

الدولة (أغلبية سكانية مسلمة) عدد السكان المسلمين بالمليون (إحصاء 2021)
إندونيسيا 229.6
باكستان 200.5
بنغلاديش 153
نيجيريا 104.7
إيران 80.9
تركيا 79.1
أفغانستان 40.6
أوزبكستان 30.8

ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لمجموع دول منظمة التعاون الإسلامي نحو 8 % من إجمالي الناتج المحلي الإسمي العالمي، فإذا حذفنا الاقتصاد النفطي فإن إسهام الدول الإسلامية يساوي نحو 4% من الإجمالي العالمي.

أولاً: توجهات الدول والمجتمعات الإسلامية تجاه تطورات الصراع العربي الصهيوني: حالة طوفان الأقصى:

عندما تدخلت القوات السوفييتية في ديسمبر 1979 في أفغانستان، تولت دول عربية وإسلامية الدعوة للتدخل من منظور إسلامي، وشرعت هذه الدول في حملات إعلامية واسعة والدعوة للتطوع للقتال ضدّ القوات السوفييتية، وبدأت بفتح صناديق التبرعات الشعبية والرسمية لمناصرة «مجاهدي أفغانستان»، واتَّسق هذا الموقف مع الموقف الأمريكي الذي كان يسعى لهزيمة السوفييت.

لكن مقارنة ردة الفعل الإسلامية تجاه طوفان الأقصى وتداعياته لا يتوازى مع ردة الفعل على الغزو السوفييتي لأفغانستان على الرغم من العمق الإسلامي لموضوع القدس، ويبدو أن الفارق الرئيسي بين الواقعتين هو الفارق في الموقف الأمريكي، فواشنطن كانت حريصة على حشد بعض القوى المحسوبة نظرياً على التيارات الإسلامية معها، وعملت على تقديم الأمر بأنه مسَّ بالمنظومة الدينية الإسلامية، لكن الأمر مخالف تماماً لموقفها في فلسطين.

لقد بلغ عدد المتطوعين الإسلاميين الذين انضموا لمقاتلي أفغانستان طبقاً لبعض التقديرات نحو 35 ألف متطوع، بينما بلغت التبرعات المالية أكثر من 400 مليون دولار سنوياً خلال الفترة من بداية الغزو إلى سنة 1989، ناهيك عن الدعم الإعلامي الواسع. وللتأكد من هذا الفارق يكفي أن نتابع ردود الفعل الإسلامية في طوفان الأقصى من خلال النقاط التالية:

السياسات الرسمية للدول الإسلامية غير العربية:

على الرغم من أن منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً) تأسست كرد فعل على موضوع فلسطيني هو اشتعال النيران في المسجد الأقصى على يد متطرف صهيوني سنة 1969، إلا أن مستوى التفاعل الإسلامي في دول هذه المنظمة حول طوفان الأقصى يثير تساؤلات حول وزن ونجاعة الحركات الإسلامية في هذه البلاد تجاه القضية الفلسطينية بكل رمزيتها الدينية. كما أن دور منظمة التعاون الإسلامي في مواجهة تداعيات طوفان الأقصى اقتصر في كل بياناته واجتماعات وزراء الخارجية للدول الأعضاء على المناشدات والإدانة للسلوك الإسرائيلي دون اتخاذ أيّ إجراءات عملية ذات دلالة تتوازى مع حجم العنف الإسرائيلي، ومع قداسة القضية الفلسطينية ومركزيتها حتى في أدبيات أغلب هذه الدول، وهو ما يستدعي التذكير أن من بين الـ 57 دولة إسلامية في منظمة التعاون الإسلامي هناك 10 دول إسلامية غير عربية فقط لا تعترف بـ«إسرائيل» (أفغانستان، وبنغلاديش، وبروناي، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، والمالديف، ومالي، والنيجر، وباكستان)، بينما هناك 23 دولة إسلامية (غير عربية) تعترف بـ«اسرائيل»، أي أن الاعتراف بـ«إسرائيل» من الجانب الرسمي الإسلامي (العربي وغير العربي) هو 23 دولة إسلامية غير عربية بالإضافة إلى 6 دول عربية، وهو عدد يشكل نسبة تساوي 50.9% من العضوية في منظمة التعاون الإسلامي مقارنة باعتراف دولي عالمي بـ«إسرائيل» يساوي نحو 85% من مجموع دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة.

ومن الضروري الإشارة بداية إلى أن صورة «إسرائيل» لدى المجتمع الدولي تراجعت خلال الشهور الثلاثة الأولى من معركة طوفان الأقصى بمعدل كلي يصل إلى 18.5% وتواصل التراجع بعد ذلك، وإن التراجع باتجاه الصورة السلبية كان في 42 دولة من بين 43 دولة جرى القياس لرأيها العام، وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي بقيت تنظر إلى «إسرائيل» بإيجابية على الرغم من تراجع نسبة هذه الصورة الإيجابية في أمريكا أيضاً، حيث تراجعت بنسبة 2.2%، وهي مؤشرات تستدعي التساؤل: لماذا ما زال رد الفعل من الدول الإسلامية دون المستوى المطلوب؟

إن مراجعة بيانات منظمة التعاون الإسلامي بعد طوفان الأقصى والصادرة عن المنظمة في نوفمبر 2023 (في السعودية)، وفي مايو 2024 (في غامبيا)، تشير إلى دعوات لوقف إطلاق النار ولتقديم المساعدات وإدانة الإبادة الجماعية من طرف «إسرائيل»، لكن هذه البيانات لا تتضمن أيّ إجراءات عملية ضدّ «إسرائيل» سواء بقطع العلاقات الديبلوماسية مع «إسرائيل» أم بالتعهد الواضح بتقديم المساعدات «غير الشكلية» للشعب الفلسطيني بشكل محدد.

فإذا انتقلنا إلى المواقف الرسمية للدول الإسلامية غير العربية بشكل عام، يمكن بداية تقسيم هذه الدول إلى ستة أقاليم هي:

• جنوب شرق آسيا والهادئ (ويشمل خمس دول هي: إندونيسيا، وماليزيا، وبروناي، ومالديف، ويضم بعض الباحثين دولة بنغلاديش لهذه المجموعة).

• دول آسيا الوسطى (ويشمل ست دول هي: كازاخستان، وقرغيزيا، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان وأذربيجان).

• دول غرب آسيا (باكستان، وإيران، وأفغانستان، وتركيا).

• الدول الإفريقية الإسلامية غير العربية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (وتضم 17 دولة هي: نيجيريا، وأوغندا، وموزمبيق، والنيجر، وساحل العاج، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وتشاد، والسنغال، وغينيا، وبنين، وتوغو، وسيراليون، وغينيا بيساو، وغامبيا، والغابون، ومالي).

• إقليم أمريكا اللاتينية ويضم كلاً من غويانا (7% من سكانها مسلمون)، وسورينام (14% من سكانها مسلمون)، وهما عضوان في منظمة التعاون الإسلامي.

• دول البلقان (ألبانيا).

ويمكن إضافة بعض الدول ذات الأغلبية الإسلامية ولكنها ليست عضواً في منظمة التعاون الإسلامية، مثل دولة البوسنة والهرسك (مراقب في المنظمة الإسلامية)، ودولة كوسوفو، ولكنهما تقيمان علاقات ديبلوماسية كاملة مع «إسرائيل». وكانت كوسوفو من ضمن الدول الأولى التي نقلت سفارتها إلى القدس، ويبدو أن هناك اتجاهاً في حكومتها يسعى للانضمام لمنظمة التعاون الإسلامي.

وعند رصد هذه الأقاليم الجيوسياسية الإسلامية سنجد تبايناً واضحاً في المواقف السياسية من طوفان الأقصى وتداعياته، ففي منطقة جنوب شرق آسيا (آسيان The Association of South-East Asian Nations—ASEAN)، تشير استطلاعات الرأي في هذا الإقليم أن 46.5% من سكان جنوب شرق آسيا يرون الصراع في غزة بأنه الحدث الجيوسياسي المعاصر الأكثر أهمية بالنسبة لهم، وتفوق هذه النسبة نسبة المستجوبين الذين أعطوا الأهمية لأزمة بحر الصين الجنوبي أو الحرب الروسية الأوكرانية على الرغم من أنهما مسألتان ملحتان ولهما تأثير في جنوب شرق آسيا، لكن ذلك يعني من ناحية مقابلة أن المجتمع الإسلامي في هذا الإقليم له هموم تبدو لدى أكثر من 54% أكثر أهمية من الصراع العربي الإسرائيلي على الرغم من أولويته.

فإذا انتقلنا إلى بنغلاديش التي يراها البعض جزء من هذا الإقليم، نجد الموقف الرسمي في هذه الدولة يؤكد على الموقف المؤيد لفلسطين، لكن حذف الحكومة في نهاية 2020 لعبارة ترد في إحدى صفحات جوازات السفر البنغالية وتنص على أنه «مسموح السفر لكل الدول باستثناء إسرائيل»، أثارت شكوكاً حول دلالات إلغائها، لا سيّما وأن بعض المقالات اللاحقة لهذه الخطوة في الإعلام البنغالي انطوت على بعض المقالات التي لا ترى ضيراً من الاعتراف بـ«إسرائيل».

وبشكل عام يمكن تصنيف المواقف الرسمية للدول الإسلامية غير العربية إلى ثلاثة مواقف:

• دول أبدت تأييدها التام للطرف الفلسطيني (مثل إيران، وتركيا، وباكستان، وماليزيا، وبروناي، وبنغلاديش، وأفغانستان، ومالي، والنيجر…إلخ)، بل إن بعضها مثل التشاد استدعت سفيرها من «إسرائيل»، وشاركت بنغلاديش في رفع الدعوى في المحكمة الجنائية ضدّ «إسرائيل» بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية.

• دول أقرب في موقفها من الموقف الإسرائيلي: وهو ما يتضح في مواقف دول إسلامية في آسيا الوسطى. ويمكن اعتبار أذربيجان وكازاخستان هي الأكثر وضوحاً في هذا الجانب، بينما امتنعت طاجيكستان عن إدانة الطوفان، ومالت أوزبكستان إلى الدعوة لوقف التصعيد، مع ملاحظة أن جميع دول هذا الإقليم تقيم علاقات ديبلوماسية مع «إسرائيل»، وهي الأكثر قرباً للموقف الإسرائيلي مقارنة بالأقاليم الأخرى.

• دول حاولت الموازنة بين الطرفين بقدر ما، وهو الموقف الذي التزمت به بشكل عام بعض الدول الإفريقية خصوصاً نيجيريا، كما أن إعلان تركيا «تعليق» تجارتها مع «إسرائيل» والتي تبلغ 8 مليار دولار سنة 2023 يشكل خطوة مهمة لا سيّما أن تركيا تعدّ الشريك التجاري الأول لـ«إسرائيل» في الشرق الأوسط، ناهيك عن استمرار العلاقة الديبلوماسية بين الطرفين إلى جانب التقارير عن تسهيلاتها لإيصال البترول للموانئ الإسرائيلية سواء من آسيا الوسطى أم من كردستان العراق.

ثانياً: توجهات الرأي العام الإسلامي والمظاهرات الشعبية:

عرفت أغلب دول العالم، خصوصاً الغربية، نشاطاً ملحوظاً في التظاهر ضدّ الموقف الإسرائيلي عقب طوفان الأقصى، خصوصاً في الجانب الخاص بقتل المدنيين، وتدمير البنى التحتية، وعرقلة دخول المساعدات الى قطاع غزة، ويدل رصد هذه المظاهرات بشكل قاطع على اتِّساع معدلات التأييد لفلسطين، كما يتضح من الجدول التالي:

جدول رقم 2: مقارنة بين المظاهرات الشعبية في العالم: المؤيدة لفلسطين والمؤيدة لـ«إسرائيل» في الفترة أكتوبر 2023 – أبريل 2024

الشهر أكتوبر 2023 نوفمبر 2023 ديسمبر 2023 يناير 2024 فبراير 2024 مارس 2024 أبريل 2024
مع فلسطين 4,000 3,116 1,773 1,505 1,505 1,773 1,281
مع «إسرائيل» 402 186 29 36 7 7 13
نسبة التأييد لـ«إسرائيل» مقارنة بالتأييد لفلسطين 10.05 5.9 1.6 2.3 0.46 0.39 1

وعند مقارنة «المعدل الشهري» العام للمظاهرات يتبين أن المعدل لصالح فلسطين هو 2,133 مظاهرة في العالم مقابل 97 مظاهرة لصالح «إسرائيل». لكن المفارقة هي أن الفروق بين الدول الإسلامية في التظاهر تأييداً للمقاومة الفلسطينية واضحة بشكل ملفت للنظر، فلو قارنّا عدد المظاهرات في تركيا (1,082 مظاهرة) وفي إيران (895 مظاهرة) مع دول إسلامية أخرى مثل دول آسيا الوسطى الإسلامية أو دول جنوب شرق آسيا، نجد أن المعدل في هذه الدول يتراوح بين صفر إلى ثلاث مظاهرات منذ بداية الطوفان، مع الإشارة إلى أن نسبة التأييد العالمي لـ«إسرائيل» يساوي 3.1% من نسبة التأييد لفلسطين، طبقاً للمعدل الشهري للمظاهرات المؤيدة لكل من طرفي الصراع. وفي الجامعات، فإن الأحداث التي توصف بأنها معادية لـ«إسرائيل» تصل في معدلها الشهري إلى نحو 97 حدثاً. بينما لا نجد في أغلب الدول الإسلامية غير العربية مثل هذه النسب.

وتشير المقارنة بين تفاعل العالم بشكل عام وبين تفاعل المجتمعات الإسلامية بقياس التظاهر الجماهيري في آخر البيانات المتوفرة، إلى أن عدد المظاهرات في كل دول العالم المؤيدة لفلسطين حتى نهاية أبريل 2024 هو 14,931 مظاهرة، منها 8,762 مظاهرة في أربع دول إسلامية وعربية هي: اليمن والمغرب وتركيا وإيران. أما في الأقاليم الإسلامية الأخرى، فتكاد المظاهرات تغيب تماماً في دول آسيا الوسطى الإسلامية (كازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان)، باستثناء مظاهرات قليلة جداً ومحدودة المشاركة بشكل واضح في قرغيزيا التي غلب على توجهاتها الرسمية المساندة لـ«إسرائيل»، بل إن المظاهرات في أذربيجان كانت لصالح «إسرائيل»، ولم يتجاوز عدد المظاهرات في الدول «الإسلامية غير العربية» مجتمعة حتى أبريل 2024 الثلاثين مظاهرة تقريباً.

أما في جنوب شرق آسيا، فقد اتّسمت المظاهرات بقلة عددها وعدم تناسب المشاركين مع أعداد السكان باستثناء بعض المظاهرات الكبرى، لكن تكرارها محدود للغاية كما جرى في إندونيسيا (أكبر دولة إسلامية في العالم)، أو في ماليزيا على الرغم من أنها اتخذت قراراً بمنع السفن الإسرائيلية من الرسو في موانئها، إلى جانب مشاركة شعبية رمزية في بروناي. أما في إفريقيا الإسلامية غير العربية، فإن أكبر عدد للمسلمين في نيجيريا (أكثر من مئة مليون مسلم يشكلون ما بين 50-52% من السكان)، لكن عدد المظاهرات بقي محدوداً، بل ووقعت اشتباكات بين الأمن النيجري والمتظاهرين المناصرين لفلسطين، كما جرت مظاهرات قليلة وصغيرة في السنغال. أما في آسيا (غير تركيا وإيران)، فوقعت بعض المظاهرات في باكستان (نحو 5 مظاهرات)، وبنغلاديش (3 مظاهرات)، وأفغانستان (3 مظاهرات).

كما تباينت مستويات الخطاب السياسي للحركات والهيئات الإسلامية غير العربية تجاه طوفان الأقصى، ففي حين أبدت حركة طالبان الباكستانية، والحركة المحمدية الإندونيسية، والجمعية الطلابية الباكستانية تأييدها التام للطوفان، ركّزت حركة داعش (وهي حركة إسلامية هجينة من حيث الانتماء القومي) في بياناتها على نقد حركة حماس «لتركيزها على القضية الفلسطينية دون غيرها من ناحية ولعلاقاتها مع إيران من ناحية ثانية»، بينما شذَّت التنظيمات الإسلامية اليوغورية (الأقلية المسلمة في الصين) عن بقية الحركات، إذ وصفت بعض هذه التنظيمات (مثل لجنة حقوق الإنسان اليوغورية والمؤتمر اليوغوري العالمي) الطوفان بأنه «هجوم بربري على إسرائيل».

إضافة لما سبق، يمكن الإشارة في تحليل موقف الدول والمجتمعات الإسلامية غير العربية إلى:

• إن 62% من احتياجات «إسرائيل» للبترول يتم الحصول عليها من دولتين إسلاميتين هما كازاخستان (93 ألف برميل يومياً)، وأذربيجان (45 ألف برميل يومياً)، أي ما مجموعه 138 ألف برميل يومياً.

• يصل حجم التجارة الإسرائيلية السلعية مع الدول الإسلامية «غير العربية» الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي حتى نهاية سنة 2021 نحو 7 مليار دولار.

• اقتصار المساندة للمقاومة الفلسطينية على المناشدات الخطابية، كما هو الحال في بعض الدول الإسلامية مثل باكستان التي ناشد زعيم الجماعة الإسلامية فيها الشيخ سراج الحق حكومة بلادة، كحكومة عقائدية، مساندة الفلسطينيين.

ثالثاً: الإسهام في ميزانية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا):

إذا استثنينا الدول العربية من بين أعضاء الدول الإسلامية، فإن تركيا تحتل المرتبة الأولى بين الدول الإسلامية في مساعداتها لوكالة الأونروا UNRWA، لكنها بالمقارنة مع الدول غير الإسلامية فهي تحتل المرتبة 13 بين الدول المتبرعة لسنة 2023، تليها إندونيسيا في المرتبة 33، ثم ماليزيا وكازاخستان في المرتبة 35. ولو نظرنا في إجمالي مساعدات الدول الإسلامية غير العربية فإن إسهامها لا يصل 1.5% من إجمالي ميزانية وكالة الأونروا، بل إن مقارنة إجمالي الناتج المحلي (على أساس المعادل الشرائي بالأسعار الجارية) بحجم مساعدات الدول الإسلامية للوكالة، نجد المفارقة التي يظهرها الجدول التالي:

جدول رقم 3: إسهامات لعينة من الدول الإسلامية للأونروا (2023)

الدولة إجمالي الناتج المحلي (المعادل الشرائي) (مليار دولار) حجم المساعدة للأونروا (ألف دولار)
إندونيسيا 4,720.54 600
بنغلاديش 1,619.8 50
ماليزيا 1,305.94 200
كازاخستان 693.415 10
أوزبكستان 401.838 0
أذربيجان 199.195 0

 

وبعد الاتهامات الإسرائيلية لبعض موظفي الوكالة بمشاركتهم في طوفان الأقصى، علَّقت بعض الدول إسهاماتها، لكن أغلبها عادت للدفع، خصوصاً أن الاتهام الإسرائيلي للوكالة لم يصل إلى حدّ الإقناع، لذا فإن 7 دول رئيسية أعادت التمويل بينما ما زالت 11 دولة أخرى (بما فيها الاتحاد الأوروبي) قيد النظر حتى تاريخ نهاية أبريل 2024، لكن ليس بين هذه الدول أيّ دولة إسلامية. أي أن الدول الإسلامية غير العربية لم تلتزم بقطع مساعداتها للوكالة، لكن حجم مساعداتها متواضع بشكل كبير كما أشرنا.

رابعاً: التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على موضوعات طوفان الأقصى:

عند مقارنة تصويت الدول الأعضاء على القرارات الخاصة بالحرب في غزة، يتبين أن الدول الإسلامية كلها صوَّتت لصالح الموقف الذي تسانده المقاومة في 12/12/2023، بينما امتنعت 3 دول إسلامية عن التصويت على قرار الجمعية في 27/10/2023 (وهي: ألبانيا، والعراق، وتونس). ذلك يعني أن المواقف الرسمية في التصويت في الأمم المتحدة تشير إلى توافق كبير بين الدول الإسلامية، لكن أغلب هذه القرارات لا تتجاوز حدود “التوصيات” غير الملزمة.

خامساً: السياسة الخارجية للدولة الإسلامية الأكبر في عدد السكان: إندونيسيا:

يمكن رصد محددات السياسة الخارجية الإندونيسية تجاه الصراع العربي الصهيوني على النحو التالي:

1- الإسلام: على الرغم من تباعد الموقع الجغرافي بين إندونيسيا وفلسطين، فإن الإسلام يشكل الرباط المركزي مع المنطقة العربية، فهي أكبر دولة إسلامية، بل وتشكل نحو 13% من مجموع المسلمين في العالم بعدد سكاني «إجمالي» يصل إلى 279 مليون نسمة، ويصل إجمالي الناتج المحلي (طبقاً للمعادل الشرائي بالأسعار الجارية) نحو 4.72 تريليون دولار، وهو ما يضعها في المرتبة السابعة عالمياً.

ومن الضروري التنويه إلى التعديلات الدستورية في إندونيسيا، فقد تمّ حذف النص الصريح المرتبط بالإسلام من الدستور، وبقيت قيمة الشريعة ضمنية كما هو مبين في المادتين 29/1 و29/2 من دستور 1945، والفقرة 3 من ديباجة دستور 1945.

2- الترابط مع إندونيسيا من خلال حركة عدم الانحياز، فكل دول الشرق الأوسط ترتبط بهذه الحركة باستثناء تركيا و«إسرائيل».

3- مبدأ الحرية والنشاط Free and Active: أي عدم الوقوف مع أي طرف في النزاعات الدولية من ناحية دون الامتناع عن تأييد التسويات السلمية من ناحية أخرى، ويبدو طبقاً لبعض التقارير أن إندونيسيا تسير في اتجاه احتمال مقايضة اعترافها بـ«إسرائيل» مقابل ضمان تأييد “إسرائيل” لعضوية إندونيسيا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization for Economic Co-operation and Development.

الخلاصة:

تشير المعطيات السابقة بخصوص وزن الكتلة الإسلامية غير العربية في مساندة طوفان الأقصى إلى ما يلي:

1- أن الحجم البشري والقوة الاقتصادية والمساحة الجغرافية والكتلة التصويتية في الأمم المتحدة لا تتناسب ومستوى التأثير المحدود للغاية في التفاعلات الناتجة عن طوفان الأقصى.

2- من الواضح أن وزن الحركات والأحزاب الإسلامية في هذه الدول محدود في تأثيره على سياسات حكومات بلادها تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يعني أن الثقافة الإسلامية في هذه المجتمعات لم تتحول إلى فعل سياسي ذي دلالة.

3- أن مستوى الإسهام المادي (مثل المعونات الإنسانية أو الإسهام في ميزانية وكالة الأونروا)، والإسهام المعنوي (من خلال المظاهرات أو الفعاليات السياسية) لدعم النضال الفلسطيني لا يتناسب مع الحد الأدنى لما تمتلكه هذه الدول.

4- من الواضح أن التطبيع العربي مع “إسرائيل” أعفى أغلب الدول الإسلامية من الحرج في العلاقة مع “إسرائيل”، وهو ما يتضح في نسبة الدول الإسلامية المعترفة بـ”إسرائيل”، ناهيك عن شبه المعترفة أو تستعد للاعتراف بها.

5- أن مسلمي آسيا الوسطى هم الأقل تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني، وهو ما يستوجب البحث في كيفية معالجة هذه الظاهرة.

6- يعدّ الموقف الإيراني هو الموقف الأكثر تقدماً مقارنة بالدول الإسلامية غير العربية.

7- أن المقارنة بين ردة الفعل الإسلامية على الغزو الروسي لأفغانستان كان أكثر حدة بشكل كبير منه في حالة طوفان الأقصى.

(المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات)

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى