السبت أكتوبر 12, 2024
مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: سوريا والخيار الصعب

مشاركة:

منذ انفجار طوفان الأقصى قبل عام، لم تنقطع الغارات الإسرائيلية على مواقع مختلفة في سوريا، وهي استمرار لما سبق الطوفان خلال عشرية الاضطراب الذي شهده الوطن العربي مشرقا ومغربا، لكن الملفت للانتباه أن مبادرة الهجوم على إسرائيل جاءت من غزة وتلتها أطراف محور المقاومة الأخرى مع تباين في نسبة المشاركة، بينما بقيت سوريا متلقية للضربات وبوتيرة تكاد تفوق ما قبل الطوفان، وهو ما جعل السؤال المتكرر هو لماذا تتلقى سوريا الفعل دون رد فعل واضح؟

من غير الممكن فصل المشهد الحالي عن المشهد ما قبل الطوفان، فما أن جاء الطوفان كان الوضع في سوريا -وما زال- على النحو التالي:

1- هناك 36% تقريبا من الأراضي السورية خارج نطاق السيطرة الحكومية، وتخضع هذه المساحة (حوالي 65 ألف كيلومتربع) لسيطرة من جهات مختلفة على النحو التالي:

أ‌- حوالي 11% للمعارضة بخاصة المدعومة من تركيا.

ب‌- حوالي 25% تسيطر عليها قوات من التنظيمات الكردية والمتحالفين معها.

2- تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية في أرجاء سوريا، فمنها ما هو مساند للحكومة ومنها ما هو معاد لها، ويكفي عرض سريع لهذا المشهد:

أ‌- تمتد الحدود التركية السورية على مسافة تصل إلى 911 كيلومتر، تنتشر فيها القواعد التركية داخل وبجانب الأراضي السورية، وتشير التقديرات إلى وجود 12 قاعدة عسكرية تركية، إضافة إلى 114 نقطة مراقبة عسكرية تركية، وتسيطر تركيا على مساحة من الأراضي السورية تصل الى أكثر من 8800 كيلو متر مربع. (أي ما يساوي تقريبا مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان معا)

ب‌- تتواجد القوات الامريكية في 17 قاعدة عسكرية تساندها 15 نقطة مراقبة عسكرية، وهي تتواجد في أكثر مناطق سوريا انتاجا للنفط.

ت‌- تتواجد قوات كردية (قسد) في معسكرات متناثرة تغطي مساحة تصل الى (45 الف كيلومتر مربع)، وتقدر هذه القوة (الى جانب بعض الفصائل الأخرى المنضوية تحتها من غير الاكراد ) بحوالي 45 الف مقاتل، وتتلقى دعما أمريكيا إسرائيليا لا لُبس فيه، وهو ما يستوجب مناقشة موضوعهم على مستويين هما ارتباطاتهم الخارجية من ناحية وحقوق المواطنة على المستوى الداخلي من الناحية الأخرى.

ث‌- تتناثر قوات معارضة أخرى منها الجيش الحر وقوى إسلامية (تعددت تسمياتها وانشقاقاتها من جبهة تحرير الشام…الخ) وبقايا لداعش، وتغطي نشاطات هذه التنظيمات مساحة تصل الى حوالي 20 ألف كيلومتر مربع.

ج‌- من الضروري التذكير بالوجود الإسرائيلي في الجولان في مساحة تصل الى حوالي 1200 كيلومتر مربع.

3- القوى المساندة للحكومة السورية: تتوزع هذه القوى على مساحة تصل الى حوالي 120 ألف كيلو متر مربع، فإضافة للجيش السوري وبعض التنظيمات الفلسطينية هناك قواعد روسية (21 قاعدة و 93 نقطة مراقبة) الى جانب حوالي 52 موقعا إيرانيا.

فإذا اضفنا لذلك مؤشرات النزوح الذي قارب انتقال نصف سكان الدولة لمناطق داخل او خارج إقليم الدولة، ثم اضفنا الانهاك الاقتصادي الذي يكفي إعطاء مؤشر واحد عليه وهو أن اجمالي الناتج المحلي السوري انخفض من 52.3 مليار دولار عام 2010 الى قرابة أقل من 10 مليار دولار عام 2024 طبقا لتقديرات جهات دولية متخصصة، وهو ما انعكس على دخل الفرد بشكل هائل وعلى تقليص القدرة على الانفاق الدفاعي تقليصا كبيرا.

ماذا يعني ذلك:

بعيدا عن إعلام المماحكة والمكايدة والانتقام، وبعيدا أيضا عن الدفاع عن الحكومة السورية لغرض في نفس يعقوب، فان اتخاذ قرار بالرد على الهجمات الإسرائيلية امر لا بد أن يتم ولكن بحساب ببيض النمل كما وصفها لينين، فقرارات النخوة والشوارب لا تجوز في هذا المقام، ولكن –بالمقابل- تكريس القناعة لدى إسرائيل ان مهاجمة سوريا لا ثمن لها هو امر يجب إعادة النظر فيه، أما الشأن الداخلي السوري فهو امر لا بد من النظر فيه بالتوازي مع النظر في المواجهة مع الاحتلال وبعيدا عن أي دور خارجي، وأن يقتصر بحث هذا الموضوع الداخلي على القوى السياسية المستقلة ” وظيفيا”، مع التمييز بين ضرورات الدول وضرورات المعارضة.

وأعتقد أن مفتاح حل هذه المعضلة هي بيد الرئيس التركي أردوغان، وهو ما يستدعي منه اتخاذ قرار يحرر سوريا من قيود الشمال من ناحية مما يخلق بيئة مواتية أكثر للرد على الهجمات الإسرائيلية، وهناك ما يجمع الهدف السوري مع التركي، فالتخلص من القوات الكردية هو هدف مشترك، وإعادة النشاط التجاري الهام بين البلدين هو هدف مشترك، والتباين من البلدين مع السياسات الإسرائيلية يشكل دافعا إضافيا لذلك.

أما الجانب الروسي، فيبدو أنه قلق من أن تصاعد المواجهة بين سوريا وإسرائيل قد يجره لهذه المواجهة في الوقت الذي ينغمس فيه حتى أذنيه في أوكرانيا، وهو ما يستدعي التفكير في آليات جديدة للدور الروسي.

إن السعي الروسي لتقريب المسافة الفاصلة بين سوريا وتركيا تعترضه صعوبات رغم بعض التقدم البطيء والصغير فيه، ويبدو أن بعض دول الخليج تعمل على تعطيل ذلك، ناهيك عن ضغوط أمريكية وأوروبية.

أما الدور الإيراني (من الزاوية السورية) فاعتقد انه لا يحتاج لتفاصيل لأنه أكثر وضوحًا.. ربما.

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *