مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: سوريا والمسكوت عنه

ليس أمرا مفاجئا أن تحاول الدبلوماسية السورية ترتيب أوضاعها الداخلية بعد التحول السياسي الذي أصاب نظامها السياسي وتوجهاتها الداخلية والإقليمية والدولية، وطبقا لما تعلمناه في العلوم السياسية فإن المراحل الانتقالية للنظام السياسي تستغرق فترات متباينة طبقا لطبيعة التحول وظروفه المختلفة، لكن معدل التحول في مختلف النظم السياسية (بانحراف معياري هام) يستغرق حوالي 3 سنوات للتأسيس في دول العالم النامي، أما تحقيق النتائج في تحولات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية فمعدلها من 7-9 سنوات، أما في العلاقات الدولية فهو معدل لا يتجاوز العامين لوضع «أسس» التحول.

غير أن التحول يستوجب قدرا من الوضوح والشفافية في الخطط المطروحة للتحول لكي يحدد المجتمع ونخبه وقواه السياسية مواقفها ونمط مشاركتها في التحول، وهنا نطرح التساؤلات التالية التي جهدت لإيجاد إجابة علمية وواضحة عليها دون جدوى:

1- كيف تم بناء السلطة الحالية، وما هي الأسس التي اعتُمدت، ثم كيف تمت إجراءات التحول بشكل تفصيلي واضح (لقد أنجزت دراسة تزيد عن 400 صفحة عن التحول في الصين، وكان الأمر واضحا جدا لي، لكن التحول في سوريا يلفه الغموض بخاصة في الجانب الإجرائي فيما جرى.

2- من هي القوى المشاركة في «وضع الأسس»، وما نسب التمثيل للقوى التي شاركت في وضع الأسس؟

3- كيف تم اختيار ممثلي القوى التي شاركت في وضع الأسس؟

4- ما طبيعة العلاقة بين القوى المؤسسة للبناء الجديد للنظام وبين القوى الإقليمية؟

5- ما هي الضمانات الدستورية بالالتزام بما يجري التوافق عليه؟

أما على المستوى الخارجي، فقد ورثت السلطة الجديدة علاقات إقليمية تتسم بالالتباس في معظمها، ولكنها أعلنت بشكل أكثر وضوحا عن توجهاتها في هذا الجانب، فغلب على أدبياتها العداء لإيران وأنصارها، وقدر من التبعية للدبلوماسية التركية ولو بلغة دبلوماسية، والانفتاح على الدول العربية بانتقائية، مع جعل المواقف من إسرائيل في حدها الأدنى.

ويكفي في مجال العلاقات الدولية التوقف عند توجهات الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية بخاصة عن سوريا، فالإعلام السوري الجديد لا يختلف بأي شكل من الأشكال في هذه الجوانب عن اعلام النظام البائد، فهو معني بالنصف المليء من الكأس، لكنه لا يطلعك على النصف الفارغ، فهو يبشرك ليلا ونهارا بخطوات الاقتراب من رفع العقوبات، وهو أمر مطلوب وجيد، لكنه لا يطلعك على «ثمن هذا الرفع»، بل ولا يشير لهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، وهنا كما تساءلنا في بداية هذا المقال كيف تم بناء السلطة؟ نتساءل.. ما هو مقابل رفع العقوبات؟، وأشرنا في مقال سابق أن الحكومات الغربية ليست جمعيات أو مبرات خيرية، لأن تلك الدول فيها برلمانات ورأي عام وإعلام يحاسب الحاكم على كل خطوة مهما كانت، بل قد يصل به للقضاء، بل حتى العدو الإسرائيلي سجن رئيسه بتهمة التحرش بموظفة في الرئاسة، وسجن رئيس وزرائه لأنه استغل منصبه في موضوع بيع أسهم يمتلكها.

فهل للإدارة السورية ان تُطلع شعبها على الخطوط العريضة لثمن رفع العقوبات لكي تتناقش النخب والقوى في مدى شرعية هذه الشروط:

ويكفي أن نضع فرضيات

(أؤكد فرضيات يجب أن نسمع رأي النظام الجديد فيها إذا طرحت عليه):

أ‌- عدم إثارة موضوع ضم الكنيست الإسرائيلي لهضبة الجولان عام 1981، ولا ما إضافته إسرائيل باستكمال احتلالها عام 2024.

ب‌- الامتناع عن تقديم أي شكل من المساندة لأي تنظيم فلسطيني من تنظيمات المقاومة الفلسطينية.

ج‌- توطين الفلسطينيين في سوريا واغلاق أي نشاط لوكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين

د‌- السماح بمرور انابيب الغاز من الخليج الى أوروبا عبر الأراضي السورية لإضعاف الوزن الروسي في حقل الطاقة لأوروبا.

هـ‌- القبول بتحويل سوريا الى دولة أقل فدرالية

و‌- توقف أي إعلام تحريضي على الغرب أو إسرائيل

ز‌- توجيه الثقافة الدينية باتجاه الطقوس على حساب الأدبيات الدينية السياسية والاجتماعية

ح‌- الانفتاح الاقتصادي وتوسيع دائرة القطاع الخاص.

ط‌- تنويع مصادر التسلح للجيش بدلا من التسلح الروسي والصيني.

ي‌- تقليص عدد القوات المسلحة السورية.

ك‌- توسيع دائرة الحريات السياسية والاجتماعية للأقليات

ومعلوم ان المفاوض الغربي لا يبني على وعود، فهو يطلب إما التزامن بين رفع العقوبة والاستجابة لدفع الثمن أو جعل رفع العقوبات خطوة مقابل خطوة إلى أن تكتمل الحلقة، ولا يعمل الغرب على أساس «توكل على الله».

إن الصمت على ما يجري من مطالب تطرحها الأطراف الأخرى على المفاوض السوري هو مقدمة للعودة إلى استبداد النظام البائد، وقد عرفت سوريا منذ جمهوريتها الأولى 1946 ما مجموعه 22 رئيسا دون حساب مرحلة الوحدة برئاسة جمال عبد الناصر، فإذا حذفنا حافظ الأسد وابنه (54 سنة) يتبقى 24 سنة حكم سوريا خلالها 20 رئيسا، وهو ما يضع سوريا ضمن أقل دول العالم في استقرار النظام السياسي، ويعزز الفكرة بان الاتجاه الأعظم (Mega-trend) للتاريخ السياسي السوري يواصل دربه.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى