د. وليد عبد الحي يكتب: «طوفان الأقصى».. وأردوغان والإخوان
كنت وما زلت أكثر الناس دعوة لاحترام إرادة شعوبنا، فحيث تفوز أية حركة أو حزب في الانتخابات يجب تجسيد ذلك في النظام السياسي دون أي تلاعب أو صفقات ظلام، ومن هذا المنطلق فاني كنت وما زلت من المطالبين بحق الإخوان في السلطة أينما فازوا رغم أني لا اتفق معهم في أغلب توجهاتهم.
لكني أطلب من هذه الحركة الشعبية -كمواطن عادي هامشي- أن تتسق هذه الحركة في مواقفها لكي لا تبدو في بعض الأحيان بأن «قلوبها مع علي وسيوفها مع معاوية».. ولن أغوص في ملابسات تحالفاتهم التاريخية (التي تحولت إلى عداء سافر هذه الأيام معهم) ولا في مواقفهم الملتبسة والتي قد أفسرها أحيانا بأنها سوء تقدير، ولكني سأقف عند علاقاتهم بأردوغان الذي قلت سابقا أنه رجل يعمل لصالح بلده من خلال توظيف براغماتي للنزعة الدينية:
1- لماذا يطالب الإخوان المسلمين الحكام العرب بقطع العلاقات مع إسرائيل (وهو مطلب حق) لكنهم لا يضغطون على أردوغان لقطع هذه العلاقة بخاصة أن رأس الحربة في هذه المواجهة «طوفان الأقصى» هم نفر من الإخوان المسلمين الأطهار، ويكفي أن أشير إلى الفارق بين أردوغان والقادة العرب:
أ- أن الإخوان يعتبرون الزعماء العرب خصوما لهم، وأردوغان حليف لهم، فمن باب أولى أن يتسق حليفهم مع توجهاتهم ومطالبهم، ومن الطبيعي أن يتناقضوا مع خصومهم، فلماذا لا تطلبون من حليفكم ما تطلبوه من خصمكم؟ وهل يكفي أن يفتح لكم غرفة صغيرة لتحيلوها إلى استوديو لتتحرجوا عن تقديم مطالبكم بوقف علاقاته تماما وأبديا لا ظرفيًا مع إسرائيل ؟
ب- أن اردوغان هو الشريك التجاري الأول لإسرائيل في الشرق الأوسط الكبير، وهو الشريك السياحي الأول لها، وهو صاحب 12 اتفاقية أمنية معها( ولدي وثائق ذلك كلها)، فالمسافة الفاصلة سياسيا واقتصاديا وامنيا بينه وبين إسرائيل اقصر كثيرا من المسافة بين خصومكم وإسرائيل، ويكفي أن أعطي مثالا واحدا: حجم صادرات إسرائيل إلى مصر العام الماضي حوالي 126 مليون دولار ، لكن صادراتها لتركيا 1.2 مليار، أي حوالي 17 ضعفا، فمن الأكثر قدرة على الإيذاء لإسرائيل في هذه الحالة وبالتالي الأكثر تأثيرا في ضغطه؟ نعم على مصر والأردن وبقية المطبعين أن يوقفوا العلاقات ، ولكن لماذا نصمت على أردوغان وهو الأكثر أهمية؟
ج- أن الصورة التي رسمها أردوغان لنفسه في العقل الجمعي للإخوان المسلمين العرب هي صورة تعبر عن «مخزون ثقافة الشهامة» في العقل العربي، وهو ما تجسد في غضبته على السلوك الإسرائيلي مع سفينة المساعدات لغزة في عام 2010، أو انتفاضه المسرحي على شيمون بيريز في ملتقى دافوس 2015 وانسحابه من الجلسة الحوارية، لكن الحبل السري للعلاقة الإسرائيلية التركية بقي متواصلا ومتطورا رغم انقطاعات تكتيكية ، فالمسار العام للعلاقة يتطور بغض النظر عن «لحظات نزق» عابرة.
2- كثير من أدبيات الإخوان المسلمين (باستثناء شريحة معينة) لا تتورع عن التشكيك «سيء النية» بمحور المقاومة، وبخاصة أن لهم جمهورهم بين العامة العرب، ورغم أن المقاومة الفلسطينية تقول جهارا نهارا وعلى لسان أهم قادة هذه المقاومة أن أطراف محور المقاومة متقدمين جدا في دعمهم للمقاومة على غيرهم، ويكفي النظر في مجريات معركة طوفان الأقصى، فأية مقارنة منصفة بين فعل محور المقاومة وبين فعل غيرهم سيكون لصالح هذا المحور بغض النظر عن تواضع هذا الفعل حتى الآن، لكن المقارنة لصالحه قياسا لما يفعله الآخرون المتشبثين بسفراء إسرائيل وعلاقاتهم ومن ضمنهم أردوغان..لكن تقييم ونقد مواقف أردوغان من جانب الإخوان تبقى في «القلوب» أي في المستوى الثالث من الاستطاعة.
3- الصمت على عضوية تركيا في الناتو، وأرجو قراءة ميثاق هذا الحلف لمعرفة ما معنى أن تكون عضوا في الناتو، فلماذا لا يكون ذلك موضع نقد له.
أؤكد احترامي التام لحقكم في الوجود السياسي الحر ولكن النزيه، ولعل الإمام الشافعي يعبر عن موقفكم:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
فطالبوه بسحب سفيره، وقطع علاقاته التجارية والسياحية، وإلغاء اتفاقياته الأمنية.. على الأقل كما تطالبوا الآخرين، أما التشبث بقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» فهي حجة الأنظمة العربية التي تنتقدونها.. وتصمتون على أردوغان.