الأحد يوليو 7, 2024
بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: عصابة الأربعة.. النسخة الأمريكية

في الفترة السابقة قليلا على وفاة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ وأثناء مرضه، تنامى دور أربع شخصيات في الحزب الشيوعي الصيني تقودهم زوجة ماو، وبعد الوفاة جرى تداول تعبير «عصابة الأربعة» الذين تمت محاكمتهم بعد ذلك.

ويبدو في الإدارة الأمريكية الحالية هناك «عصابة أربعة» يستغلون الوضع الصحي بل والعقلي إلى حد ما للرئيس الأمريكي بايدن، ولكن تجمعهم خصلة واحدة «الوفاء لإسرائيل»، ويبرز هذا الوفاء في انهم يروجون لمواقف وتسويات تبطن في داخلها تخليص إسرائيل من الحرج الدبلوماسي من ناحية وضمان تدفق المساعدات لها من ناحية ثانية،

وتتكون عصابة الأربعة الأمريكية من:

 أولا: وزير الخارجية أنتوني بلينكين:

شغل بلينكين منصب نائب مستشار الأمن القومي بين سنتي 2013 و2015، ثم أصبح للعامين اللاحقين نائبا لوزير الخارجية الأمريكية، وهو ينتمي للديانة اليهودية ابا وأما، وقد كان له دور مشهود في فتح قنوات التواصل بين جماعات الضغط اليهودية وبين بايدن، وتتمثل أبرز مواقفه في الآتي:

أ- يدعو الى تنشيط دور الأمم المتحدة في مختلف القضايا الدولية إلا في الشرق الأوسط.

ب- يمثل بلينكين أحد أبرز دعاة عدم ربط المساعدات لـ«إسرائيل» بأي شروط سياسية

ج- لا يطالب بعودة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب.

د- يعد أحد أبرز المناهضين لأي نشاط من نشاطات حركة بي دي أس. (مقاطعة اسرائيل)

هـ- يميل لإبقاء الخلافات الإسرائيلية الأمريكية بعيداً عن الأضواء، وهو ما يعني أن الجانب السري يشكل جزءاً من إدارته للتفاوض في الشرق الأوسط.

ح- يعد من أبرز دعاة تسليح الأكراد في سورية لضمان استثمارهم لاحقا وجعلهم نقطة وصل شرق اوسطي مع اسرائيل.

ثانيا: مستشار الأمن القومي جاكوب سوليفان:

يعد سوليفان الأصغر سناً في فريق بايدن للسياسة الخارجية والأمن القومي (46 عاماً)، وقد عمل في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي مع كل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما، إلى جانب أنه كان مستشاراً للأمن القومي مع جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس، كما كان ضمن خبراء الاتفاق النووي مع إيران، وهو أقل ميلاً لأدلجة السياسة الخارجية، ويرى أن القوة الأمريكية الخشنة لا تنتج مكاسب بالضرورة.

وتتمثل أبرز توجهاته في نطاق السياسة الخارجية في:

أ- الاهتمام ببناء التحالفات الدولية وعدم التفرد الأمريكي باتخاذ القرارات الدولية لكي لا تتحمل عبء المواجهات الكبرى.

ب- درجة التطابق بينه وبين وزير الخارجية بلينكين عالية جدا في مجال السياسة الخارجية مما يجعل قدرتهما على الحركة أكبر.

ج- شارك في التفاوض السري مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي سنة 2012 في سلطنة عُمان، وعليه سيعمل على العودة للتفاوض مع إيران بغرض جذبها بعيداً عن امتلاك السلاح النووي وغوايتها في بعض جوانب دورها في الشرق الاوسط. لكن مطالبته الإدارة الامريكية سنة 2009 بمساندة المعارضة الإيرانية (حركة الخضر المناهضة للرئيس أحمدي نجاد) تشير إلى أنه قد يعود للتواصل مع المعارضة الإيرانية كأحد أدوات الضغط على إيران، أي انه لا يرى أي ضير في توظيف المعارضات في اية دولة طالما أن تلك الدولة تحاول التخلص من الاشتراطات الامريكية.

د-. يعد سوليفان أكثر أعضاء فريق بايدن ميلاً لتوظيف النقد لكل من السعودية ومصر في مجال ممارسات حقوق الإنسان والديموقراطية فيهما خاصة إذا حاولت أي منهما تجاوز مطالب أمريكية.

ثالثا: وزير الدفاع لويد أوستن:

على الرغم من طول خبرته العسكرية (41 عاماً) لم يسبق له أن تولى أي منصب سياسي، لكن خبرته الشرق أوسطية عسكرياً مهمة، فهو من قاد قوات الولايات المتحدة في الحرب على العراق، وعمل قائداً للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير..

يرتبط أوستن بعلاقات صداقة وثيقة مع وزير الدفاع الإسرائيلي بني جانتس، وفي أثناء توليه القيادة المركزية للولايات المتحدة كانت «إسرائيل» تتبع القيادة الأوروبية، لكنه عبَّر عن رغبته في التعاون مع «إسرائيل» التي يؤكد أنه معني بقدر كبير بمصالحها.

ومع نقل تبعية منطقة «إسرائيل» للقيادة المركزية في الأيام الأخيرة من عهد ترامب، فإن المجال سيكون أكثر رحابة ليزيد أوستن من تعاونه مع «إسرائيل»، خصوصاً أن التطبيع العربي مع «إسرائيل» سيجعل ذلك أكثر يسراً لمهمته.

رابعا: مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) وليم بيرنز:

عمل وليم بيرنز سفيراً في عدد من الدول من بينها دول عربية، وهو يتحدث العربية بطلاقة، كما عمل رئيساً لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي البحثية الأمريكية، إلى جانب أنه عمل مع خمسة رؤساء وعشرة وزراء خارجية أمريكيين.

ويعد بيرنز من المدافعين بقوة عن الاتفاق النووي مع إيران، ويرى أن «إسرائيل» أكثر أمناً بهذا الاتفاق خلافاً لرؤية نتنياهو.

ويمثل بيرنز أحد أبرز نقّاد السياسة الخارجية لترامب، وهو ميال لديبلوماسية الظل كما يعرضها في دراسته الحديثة، وهو ما اتضح في إسهامه مع سي آي أي في ترتيب وقف إطلاق النار في غزة في مرحلة سابقة، وفي اقناع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في التخلي عن مشروعه النووي، وفي ترتيب عقد الاتفاق النووي مع إيران، وتعزيز علاقات بلاده مع الهند، وانتقد سياسات ترامب بقوة دون ذكر اسمه إلا في الفصل الأخير من الدراسة، كما أنه يؤكد على أن «الأحادية القطبية» التي تمتعت فيها الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة هي مرحلة عابرة، وأن الولايات المتحدة شأنها شأن القوى الدولية الأخرى ستعرف تراجعاً لا بدّ لها من وضعه في الاعتبار، وأن عليها أن لا تفرط في الاعتماد على “قواها الخشنة” في علاقاتها الدولية.

وساند بيرنز الانتقادات لسحب ترامب لبعض قواته من سورية، ورأى ذلك «خيانة للأكراد»، وأن الولايات المتحدة لم تعد المهيمن الوحيد في سياسات الشرق الأوسط ولكنها أحد اللاعبين المهمين. ويحدد من وجهة نظره، أن على الولايات المتحدة أن تتواضع في ثقتها على إنجاز التحولات العميقة في الشرق الأوسط، وأن تركز على الديبلوماسية المدعومة عسكرياً لا على القدرة العسكرية التي تبررها الديبلوماسية لاحقاً.

ويرى بيرنز أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يبالغون في قدرة أمريكا على تشكيل الأوضاع في هذه المنطقة،

ويحدد رؤيته للوضع في الشرق الأوسط على النحو التالي:

أ- أن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية لأمريكا، وأن أمريكا تواجه تحديات جيو-سياسية في مناطق أخرى تستحق الانتباه لها خصوصاً الشرق الآسيوي.

ب- أن النقطة السابقة لا تعني عدم وجود مصالح للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مثل: حرية الملاحة، والوصول لمصادر الطاقة في الخليج، وضمان أمن أصدقاء الولايات المتحدة من تهديدات قوى خارجية أو إقليمية، والحيلولة دون ظهور جماعات إرهابية ذات قدرة تتجاوز حدود المنطقة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.

ج- يجب أن تقوم علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج على أساس ضرورة إجراء تحديثات اجتماعية وسياسية، ووقف التوتر حول اليمن، والتوقف عن التدخل في ليبيا والسودان والتوقف عن صراعاتها الداخلية، وضرورة قبول العودة للاتفاق النووي مع إيران.

د- يتساءل بيرنز: كيف يمكن إقامة دولة واحدة، «إسرائيل»، فيها أغلبية عربية، فهذا الحل يهدد الأردن، لأن «إسرائيل» قد تعمل على ترحيل الفلسطينيين إلى الجوار الأردني، مما قد يزعزع المنطقة من جديد، وأن الحل الأفضل هو العودة لحل الدولتين.

هـ- يرى ضرورة أخذ وجهة النظر الأوروبية في مشكلات المنطقة في الاعتبار

العصابة ومستقبل غزة:

نظرا للميل لدى هذه العصابة للتفاوض السري وتوريط الخصم في مواقف مربكة، فان العصابة هي التي تقف وراء خطة بايدن، ويبدو لي ان العصابة وبخاصة بلينكن يسعون لإقناع العالم بان خطة بايدن مقبولة من اسرائيل ومن نيتنياهو تحديدا رغم أن أي مسؤول اسرائيل لم يعلن قبوله بالخطة بشكل صريح وواضح، وتسعى العصابة الى الترويج للقبول الاسرائيلي للخطة «ضمنا» مع العمل على دفع المقاومة للقبول العلني والمكتوب والخالي من أي تحفظ لخطة بايدن،

وهو أمر أرى انه يستوجب على المقاومة مطالبة أطراف الوساطة بـ:

أ‌- قيام اسرائيل بتقديم رد ايجابي مكتوب ويودع لدى الوسيطين العربيين ولدى مكتب الامين العام للأمم المتحدة يتضمن القبول العلني التام بخطة بايدن

ب‌- أن يتم تقديم شروحات كافية لكل بند (مواعيده الزمنية، مدلول المفاهيم الواردة فيه) مع ضرورة تحديد اللغة المعتمدة في كتابة أي اتفاق لتكون هذه اللغة هي المرجعية عند الخلاف على معنى من المعاني.

أن التوجه العام للعصابة هو فرض حل «بصياغة فضفاضة ومفاهيم ملتبسة» ثم دفع الدول العربية لمساندة ذلك الحل الذي يقوم في جوهره على «نزع سلاح المقاومة، والتعاون مع عصابة أوسلو لتنفيذ المخطط بيد فلسطينية وباستثمار كامل لأجهزة التنسيق الأمني».

ومن المؤكد أن تأخير موضوع الإعمار وتسهيل حركة النازحين للعودة إلى منازلهم ستكون هي «القوة الناعمة» التي ستلعب عصابة الاربعة الدور الأساسي في تحديد الكم والزمن والمسؤوليات فيها لربط شروط المساعدات بتنازلات فلسطينية يتم انتزاعها من المقاومة، فإذا رفضت المقاومة سيتم تحميلها مسؤولية الفشل ليخدم ذلك هدفين: إعادة المجتمع الدولي لرؤية المقاومة من نفس المنطلق السابق بدلا من الصورة المشوهة التي أصبحت إسرائيل عليها، ثم محاولة تحميل المقاومة مسؤولية تعثر أو تأخر أو عدم كفاية المساعدات لعل ذلك يفتح المجال لشقوق بين المقاومة وقواعدها الشعبية.

وعليه على المقاومة أن تعلن:

1- أنها في حل من اية موافقة إذا لم تعلن إسرائيل بشكل رسمي وعلى لسان الجهات الرسمية ذات العلاقة (رئيس الوزراء ووزير الخارجية) القبول بالخطة.

2- أن تدعو المقاومة إلى مراقبين دوليين في اتجاهين: الأول مراقبين لجولات التفاوض حول مضمون ومفاهيم وأزمان التنفيذ والثاني: تحديد الطرف المعطل للتنفيذ.

3- أن يتم تحديد كافة إجراءات الاعمار والمعونات من المساعدات المختلفة من خلال لجنة دولية يشارك فيها إلى جانب الوسطاء العرب كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا والصين وروسيا وممثل عن الامين العام للأمم المتحدة.

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب