مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: غزة ما بعد الحرب.. التناغم المصري الإسرائيلي الأمريكي

ثلاثة قوى دولية تتحكم في مصير غزة ما بعد الحرب، الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر، وتلتقي هذه القوى في نقاط استراتيجية، وتتباين في نقاط تكتيكية، اما نقاط التلاقي الاستراتيجي فهي:

1- التخلص من المقاومة المسلحة في قطاع غزة، وهي قضية أعلنتها إسرائيل والولايات المتحدة عدة مرات، وأكدها الرئيس المصري خلال مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني في 17 اكتوبر الماضي حيث وصف التخلص من «الجماعات المسلحة في غزة بانه هدف نبيل» وان مصر ستتعاون مع كل الاطراف في هذا المجال.

ولا يحتاج الموقف الإسرائيلي والأمريكي للشروح لاعتبارهما حركة حماس «حركة إرهابية، ومعارضة لمشروع أوسلو» بينما الموقف المصري مرتبط بعاملين مركزيين في صلب سياسة النظام السياسي المصري وهما:

أ‌- اعتبار حركة حماس ذراعا مسلحة لحركة الإخوان المسلمين بامتداداتها في حركة الإخوان المصرية ذات القاعدة الشعبية الواسعة، وهو ما يعتبره النظام المصري «خطرًا».

ب- استبعاد أية سياسات تقود إلى عودة مصر للانخراط في الشأن الفلسطيني إلا في الحدود التي تعود على مصر بمنافع مادية فقط.

2- إحلال سلطة التنسيق الأمني في رام الله محل حركة حماس، مع التأكيد أن هذه السلطة لا تقل لهفة عن الأطراف الثلاثة للتخلص من المقاومة المسلحة بأي شكل كان.

3- استمرار الإدارة المشتركة لمعبر رفح بين سلطة غزة «القادمة» وإسرائيل ومصر لأن في ذلك منافع مادية وأمنية للطرفين المصري والإسرائيلي.

4- أن أي تسوية يجب أن تتضمن بشكل واضح ولا لبس فيه التخلي التام عن المقاومة المسلحة واعتبار اي كيان فلسطيني –بغض النظر عن توصيفه- كيانا منزوعا من السلاح.

5- العمل على اللجم التدريجي لاي دور لمحور المقاومة، مع استمرار العمل على تفكيك هذا المحور.

6- العمل على توسيع قاعدة التطبيع الإسرائيلي مع بقية الدول العربية بل قد تصبح إسرائيل على المدى البعيد (أكرر المدى البعيد) عضوا مراقبا في الجامعة العربية على غرار ما حاولته مع الاتحاد الافريقي.

أما نقاط التباين التكتيكية بين الاطراف الثلاثة فهي:

1- رغم الاتفاق بين الأمريكيين والمصريين على موضوع حل الدولتين، فإن حدود الدولتين وموضوع القضايا النهائية (الحدود واللاجئين والقدس…الخ) غير محددة، كما أن إسرائيل غير راغبة في هذا الحل، وهو ما أعلنه نيتنياهو بوضوح تام.

2- رفض مصر لسياسة التهجير لسكان غزة إلى صحراء سينا أو توسيع غزة على حساب سيناء للسببين السابق ذكرهما، بينما تريد إسرائيل بالدرجة الكبرى والولايات المتحدة بدرجة أقل طي ملف سكان غزة كعبء سكاني وأمني عليهما.

3- تبدو مصر أقل حماسا لوجود قوات دولية (دون أن ترفض تماما)، كما أنها لا تريد أن تكون قوة ضامنة للأمن في غزة إلا إذا كانت مشاركتها ضمن قوات دولية وعربية مساندة للسلطة الفلسطينية المقترحة لتولي الأمر بعد الحرب، وتسعى مصر لإيجاد جناح سياسي رمزي لحماس يشارك في السلطة ويعلن رسميا التخلي عن المقاومة المسلحة، ثم تعلن جامعة الدول العربية عن مساندتها لهذه الحكومة الفلسطينية المصنوعة.

4- تشير تقارير إسرائيلية إلى أن مصر أبدت بعض التذمر من اتساع دور الوساطة القطرية في قضايا الرهائن والهدنة على حساب الدور المصري، لأن اظهار الدور المصري في الإفراج عن الرهائن والهدنة يغطي على أوزار هذا الدور في المشاركة الفاعلة في تشديد الخناق على المساعدات لغزة.

البراغماتية المصرية بعد الحرب:

تحاول مصر أن تستثمر الأزمة بعد الحرب على النحو التالي:

أ‌- محاولة السعي لإعفائها من نسبة هامة من ديونها (حوالي 169 مليار مع نهاية هذا العام اي ما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي) والسعي لإعادة جدولة نسبة من هذه الديون، مقابل استمرار دورها في خنق المقاومة الفلسطينية المسلحة، وجر دول عربية أخرى والتنسيق معها لدعم هذا التوجه، والعمل على عقد مؤتمرات لإعادة عجلة التطبيع إلى تسارعها لفترة ما قبل الحرب، والمساهمة في كل نشاط دولي يقود الى هذا الاتجاه، وقد تعيد مصر طرح مشروع الرئيس السابق ترامب بتقديم مساعدات لمصر لتطوير سيناء  لإضعاف احتمالات عودة نزعات «التطرف» بين سكانها كما جرى في الفترة  منذ 2005 مرورا بفترة الاضطرابات بعد عام 2011 إلى الهجوم الأخير الذي وقع ضد الجيش المصري  في شهر مايو  العام الماضي (قتل فيه حوالي 16 جنديا مصريا).

ب‌- ستحاول مصر أن تشترط بطريقة ضمنية أن يكون لشركاتها (بخاصة العسكرية ذات الانتاج المدني) نصيب كبير في مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة الذي يحتاج طبقا لبعض التقديرات إلى ما لا يقل عن خمسين مليار دولار، فإذا كانت معركة 2014 احتاجت إلى 8 مليار دولار، فإن حجم التدمير في تلك المعركة كان أقل بنسبة كبيرة جدا عن التدمير الحالي. وعليه فإن مصر تريد أن تكون شريكا رئيسيا في إعادة البناء، وستعمل على الترويج لمؤتمر دولي لمساعدة غزة طمعا في «ذهب المُعز».

وقضية البراغماتية المصرية أصبحت تقليدا مستقرا في السياسة المصرية، ففي المشاركة في الحرب ضد العراق تم إعفاء مصر من ديونها البالغة 7.1 مليارات دولار، وفي اتفاق كامب ديفيد حصلت مصر على مساعدات أمريكية بلغت قيمتها من عام  1979 إلى عام 2020 حوالي 51 مليار دولار، وأصبحت مصر هي المتلقي الثاني للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل ومن ضمنها مليار دولار سنويا، فإذا علمنا أن الاقتصاد المصري حاليا يعاني من تراجع كبير في قيمة الجنية المصري أمام الدولار (حوالي 45%)، وأن  38% من سكانها يقعون على خط الفقر أو دونه،  وأن حجم الدين تضاعف منذ تولي السيسي 300%، كما أن اشتعال الحرب في غزة خفض نسبة السياحة، وأن ضربات انصار الله في اليمن للسفن الإسرائيلية أثر على مستوى النقل في قناة السويس) فإن مصر ستستثمر الوجع الغزي  الى اقصى حد .

كل ما سبق مرهون بعاملين:

الأول نتائج المعركة العسكرية والقدرة على اجبار اسرائيل على اعادة النظر في مخططها، والثاني عدم بقاء ايقاع مشاركة محور المقاومة على حاله، دون ذلك، فاني أقول «لا عاصم إلا الله»…

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى