الأثنين مايو 20, 2024
أقلام حرة

د. وليد عبد الحي يكتب: غزة.. نيتنياهو والتفاوض بالقوة

 لعل احتلال الجيش الإسرائيلي لمعبر رفح يعني وبوضوح لا لبس فيه أن هذا هو الرد الإسرائيلي على قبول المقاومة الفلسطينية للمشروع القطري المصري، فالطرف الإسرائيلي لا يفاوض إلا على أساس وضع الخصم في أسوأ الظروف ثم التفاوض معه من خلال هذا الواقع المرير، فالتفاوض ليس فن الجدل، بل فن توظيف متغيرات القوة التي لديك.

أن السيطرة على معبر رفح يعني التحكم التام في فتحتي التنفس لغزة، فـ نيتنياهو يسيطر أصلا على معبر كرم أبو سالم، وها هو يسيطر على معبر رفح، وبهذا يريد خنق غزة تماما، وهو يعتمد في ذلك على عوامل اضافية تزيد من طموحه التفاوضي:

أ‌- زيادة الضغط على الوضع الاجتماعي والاقتصادي البائس في القطاع، لوضع المقاومة في مواجهة احتياجات متراكمة لشعبها.

ب‌- قناعة نيتنياهو أن الولايات المتحدة لن تتجاوز «دبلوماسية العتب» معه، لا سيما وأن فريق السياسة الخارجية الأمريكية الأهم (بلينكن وكيربي وسوليفان وبيرنز) لا يختلفوا كثيرا عن فهم نيتنياهو للتفاوض بأنها إدارة متغيرات القوة لتحقيق أفضل المكاسب أو أقل الخسائر، ومن الواضح أن موقف الرئيس بايدن ليس معاكسا للهدف الاسرائيلي بل هو يرى إمكانية تحقيق نفس الهدف بطريقة أخرى، فهو مع التخلص من حماس واستعادة الرهائن وإيجاد سلطة بديلة للمقاومة في غزة ولكن عبر «توظيف الدول العربية لإنجاز هذه المهمة من خلال توزيع الأدوار على هذه الدول لتقوم كل منها بدورها» وبالكيفية التي ترضاها إسرائيل.

ج- يبدو أن نيتنياهو مقتنع بأن محور المقاومة لن يتجاوز الأفق الحالي لعملياته، لذا فإن نيتنياهو أقرب للقبول بأعباء الوضع الحالي الناجم عن هجمات المحور في لبنان واليمن والعراق، وهو لن يتراجع عن موقفه إلا في حالة واحدة هي «إذا اتسع الفتق على الراتق»، أي وقوع عمليات توحي بانتقال الصراع من مستواه الحالي إلى مستواه الاقليمي بالقدر الذي يقتنع فيه نيتنياهو بأن التفاوض بالقوة لا يتم من طرفه هو فقط بل من محور المقاومة،

فعلى سبيل المثال ماذا لو (أؤكد وأعيد التوكيد على لو):

1- محاولة المقاومة في لبنان استعادة مواقع في مزارع شبعا أو غيرها من الأراضي اللبنانية المحتلة وغير المعترف بشرعية احتلالها من المجتمع الدولي.

2- الاغلاق التام لباب المندب او مضيق هرمز وتوسيع الضربات في المحيط الهندي

3- اتساع نطاق الهجمات العراقية

هـ‌- ما يشجع نيتنياهو قناعة اخرى مستقرة في فكره السياسي وهي أن دول التطبيع العربية لن تغادر منصة الخطابة الى اجراءات عملية، لأن نيتنياهو على قناعة تامة أن هذه الدول لا تقل لهفة منه للتخلص من ملف المقاومة، وهو ما يجعله مطمئنا لعدم وقوع أي ضرر من هذه الدول على إسرائيل، فالتجارة مع إسرائيل تتزايد في اتجاهها العام، والأعلام الإسرائيلية ترفرف على سفاراته في عواصم التطبيع كما هو الحال في معبر رفح حاليا (كما ادعى الجيش الإسرائيلي).

و‌- يعتقد نيتنياهو أن الرأي العام العالمي يمكن إصلاح العطب الذي أصابه بعد تحقيق الأهداف المسطرة لعملية غزة، وحتى لو لم يتم إصلاحه فسيبقى منه القليل على المدى البعيد.

بناء على ذلك، فان جولة جديدة من الصراع ستدور، وقد تزداد الصورة ضبابية أكثر، وسيعمل نيتنياهو على إعادة صياغة البنود التي وافقت عليها المقاومة،

وعليه فمن المرجح أن تتجه الأحداث على النحو التالي:

هدف المقاومة الأول هو خروج القوات الإسرائيلية من القطاع ووقف العلميات العسكرية، يقابله هدف نيتنياهو الأول وهو استعادة الرهائن، وهنا تصبح المعادلة هي كيف نجعل خروج القوات الإسرائيلية ووقف العمليات تسير بالموازاة مع إطلاق الرهائن؟ فالطرف الإسرائيلي يعلي من أولوية هدفه (الرهائن لأنه يحرره من نقطة ضعفه)، والمقاومة تريد وقف القتال ومغادرة القوات الإسرائيلية لأن الرهائن هم وسيلة الضغط المركزية بيد المقاومة.

لذا، إذا لم تتسع الجبهة في مواجهة الجيش الإسرائيلي من محور المقاومة لتكن أوسع من الميدان الحالي، وإذا لم تغادر دول التطبيع مايكروفاناتها، فإن نيتنياهو لن يتراجع وسيكون القادم أسوأ، وهو مستعد لتحمل خسائر هذا التوجه داخليا ودوليا، أما إقليميا فالأمر مرتبط فقط بمحور المقاومة.. فهل يجبروه على «التواضع»؟

ربما.

ولكن ماذا لو (نؤكد مرة أخرى على لو) فشل نيتنياهو في الوصول للرهائن؟ أو تفاعلت الأوضاع إلى حد قتل الرهائن جميعا؟ أو ازداد الاضطراب في الشارع الإسرائيلي؟ أو تم طرح الأمر على مجلس الأمن واتخذ المجلس قرارًا بوضع إسرائيلي تحت الفصل السابع من الميثاق وبموافقة أمريكية؟ أو أن نتفاجأ جميعا «ببجعة سوداء»؟  أو صمدت المقاومة في رفح وغيرها وأصبحت الخسائر الإسرائيلية متجاوزة لما ظن نيتنياهو؟ هل وضع نيتنياهو كل ذلك في حسابه؟

أشك في ذلك، لكني على يقين بأنه «ليس بالذكاء الذي يتوهمه».

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب