د. وليد عبد الحي يكتب: قبل خطاب «حسن نصر الله» وبعده
تتفق أغلب المصادر الإعلامية على أن خطاب «حسن نصر الله» عصر الجمعة 3-11-2023 سيحقق نسبة مشاهدة ربما تكون هي الأعلى، ومن المؤكد أن طيف التوقعات لما سيقوله يتراوح بين الأحمر (المواجهة الكبرى) والأصفر (ترك الأمور غير واضحة ولا محسومة) والأخضر (مكانك قف).
ولو تخيلت نفسي أجلس في كرسي هذا الرجل فان حساباتي ستكون كالتالي:
1- ما مدى الإجماع بين أعضاء هيئة القرار في قيادة حزب الله؟ يبدو أن نسبة التوافق طبقا لتلميحات وتصريحات من هم دون نصر الله في سلم القيادة عالية.
2- ما مدى تناغمي مع البيئة اللبنانية في ظل الوضع الاقتصادية اللبناني المهترئ؟ وما مدى احتمال أن أواجه طعنات داخلية من لبنان؟ ويبدو أن الجمهور اللبناني في قواه السياسية اللبنانية الكبرى اقرب إلى حزب الله بخاصة بعد تصريحات قادة التيار العوني وغضب جنبلاط وتنامي جمهور الدعوة الإسلامية، لكن الفارق بين حلفاء الحزب وخصومه فارق غوايته محدودة .
3- هل الإيرانيون أقرب لدفعي للمواجهة أم للمهادنة؟ وهنا لا بد من التأمل في الموضوعات التالية وحسابها:
أ- رغم التردد الأمريكي تجاه المواجهة المباشرة، فإن إسرائيل وأغلب الدول العربية وعلى رأسها السعودية يتمنون مواجهة «أمريكية إيرانية» لتحطيم إيران على غرار تحطيم العراق، وهو هدف استراتيجي لكل من إسرائيل وأغلب دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تحقق أصبح محور المقاومة بلا ظهر…وفي ذلك مقامرة إستراتيجية لا شك أن المخطط الاستراتيجي الإيراني يدركها.
ب- أن الوضع الاقتصادي الإيراني في ظل سياسات الحصار الخانق غربيا، ووجود قوى إيرانية سياسية داخل المجتمع الإيراني تتربص بالنظام به وبدعم أجنبي (بخاصة بعض قطاعات البلوش وبعض عربستان وبعض الأذريين والأكراد وبقايا النظام القديم …الخ) ،كل ذلك لا يجعل إيران ميالة للتصعيد.
ج- أن حلفاء إيران من القوى الكبرى (بخاصة روسيا والصين) يتمنون غرق الأمريكيين في المنطقة بالقدر الذي يجعل التصرف لهم في أوكرانيا وحول تايوان أكثر يسرا، لكن التقييم الإيراني لمدى استعدادهم لمساندتها متباينة في ظل الغرق الروسي في أوكرانيا والبراغماتية الصينية الطاغية في سياستها الخارجية.
ذلك يعني أن إيران قد تكون أقرب للجم المواجهة أولا، وإذا كان لا بد من المواجهة فلتكن بواسطة حلفائها الإقليميين مع مساندة لوجستية وإعلامية بقدر ما تسمح بها إمكانياتها، وقد يكون حزب الله في صدارة من يوكل لهم هذا الأمر..
لكن العزوف الإيراني عن المشاركة له ثمن باهظ، وهو جعل التشكيك في أصالة الموقف الإيراني من المشروع الغربي الإسرائيلي في المنطقة أقرب للتصديق، وهو ما يفتح الباب لبداية تشقق في جدار بنته إيران في فلسطين والعراق واليمن ولبنان وسوريا، وهو ما يمثل خسارة إستراتيجية كبرى لإيران،
4- على المستوى الدولي فإن الغرب في أغلبه وبخاصة مع تزايد مشاهد التوحش الإسرائيلي يشعر بأن انفتاح المواجهة على المستوى الإقليمي يعني خسائر غربية بشرية (خاصة للأمريكيين في العراق وسوريا) واضطراب في النقل البحري (إذا اشتعل الموقف في باب المندب ومضيق هرمز وعلى طول البحر الأحمر) وجنون في أسعار النفط، ومنح روسيا فرصة التفرد بأوكرانيا ولفترة طويلة، ناهيك عن منح الصين فرصة الغواية للمجتمع التايواني في ظل التمدد الأمريكي الزائد بتعبير بول كينيدي.
5- لا بد أن أضع في اعتباري -كقائد لحزب الله- أن الأداء الفلسطيني المقاوم أداء مبهر للغاية، لكن النزيف المدني، وإغلاق طرق الإمداد العسكري، وضغوط الحرب الإعلامية الكثيفة لا تمنح الحزب رفاهية الانتظار.
إذن أين النقطة الوسطى في كل هذا؟ إنها في أن يطرح نصر الله في خطاب اليوم «شروطا» فيها جاذبية للمجتمع الدولي الرسمي والشعبي، وللمجتمع العربي، وللمقاومة في غزة ولأهلها، فهي شروط ظاهرها النزعة السلمية وباطنها تبرير للمشاركة،
أما الشروط فأبرزها وقف إطلاق النار والسماح بفتح المعابر على مصراعيها وربما طرح أفق سياسي للمشروع الفلسطيني الكياني بمواصفات غامضة وخاضعة للتأويل.. فإن لم يكن كذلك فلتكن الحرب.
ولكن ما مقدمات هذه الحرب إذا لم يجد أذنا صاغية لشروطه؟، لا أظن أن الضرب المتتالي لكل مواقع المراقبة ونقاط الاستطلاع الإسرائيلي من قبل حزب الله منذ 7 أكتوبر كانت لـ«الدعاية» السياسية في مواجهة نداءات الاستغاثة من بقية محوره، وإنما قد تكون تيسيرا للحركة لقواته،
ولكن إلى أين؟ أعتقد أن هدف تحرير مزارع شبعا- أو منطقة أكبر أو اصغر من مناطق لبنانية محتلة- يمثل نقطة إغراء هامة لحزب الله إذا -وهي إذا كبيرة- قرر المشاركة للأسباب التالية:
أ- لمواجهة الداخل اللبناني، فإنني «تصيدت فرصة» لتحرير أراض لبنانية، وهو ما يعني أنني ما «هببت» من أجل النخوة والشهامة بل من أجل تحرير أراض لبنانية مضى على احتلالها عقودا، وبالتالي أنا لا أورط لبنان.
ب- أن محاولة دخول مزارع شبعا ستجعل اعتراض الجيش اللبناني ضعيفا بل قد تجبره على المشاركة رمزيا أو فعليا، وأيا كان مستوى تدخله فان ذلك يمنح الحزب شرعية لعمله.
ج- توظيف الدخول لمزارع شبعا (حتى لو فشل) يعفي الحزب من أي اتهامات بالتقصير في مساندة المقاومة.
ما بعد الخطاب:
لا ريب أن ما بعد الخطاب مرهون بما قبله، فلكل بديل من بدائل القرار في حزب الله تداعياته، فإن بقي القرار الحفاظ على مستوى التدخل الحالي، فذلك سيخيب آمال قاعدة عريضة ويفتح المجال للتشويه، وإن واجه من منطلق «الشهامة» فقط قد يخسر ظهره، لذا سيتجه نحو مواجهة «بعد اشتراطات» تدغدغ كل الأطراف بما فيها شركاء الحزب في المحور..
أما خيار البجعة السوداء فهو أعقد من تلمسه في وقت قصير ومع بيانات غامضة ومع إقليم لا يعرف الحركة المنظمة منذ قرون..
ربما.