من امراض النخب العربية النزوع لتوشيح الاسم بالألقاب الأكاديمية أو التفاخرية (الدكتور والبروفيسور.. الخ)، وتبدو هذه الظاهرة جلية تماما في المشرق العربي ومركزها مصر تحديدا، بينما ليست بذلك الشيوع في المغرب العربي الذي عشت فيه أكثر من عقد ، فألفاظ التبجيل تبدو وكأنها نجدة يرسلها اللاوعي ليردم به شعور ما، ولعل هذه المسألة تظهر بشكل واضح عند أساتذة الجامعات، فتخيل لو ان طالبا نادى استاذه في جامعة عربية باسمه ، فسيدرجه الأستاذ ضمن قائمة “كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها “..
فقديما، لم يكن لا سقراط ولا ارسطو ولا ابن رشد او ابن خلدون (الذي ترجمت مقدمته ل 46 لغة) يحملون الدكتوراه (أو ممن يلملمون فتات معلومات من هنا وهناك ثم تناقشهم لجنة “قد” يكون بعضهم لم يقرأها، فيمنحونه دكتوراه)، ولم يكن أي نبي -وما أكثرهم- أو مصلح من كونفوشيوس أو بوذا أو لاوتسي يحملون الدكتوراه، ولكن هل لك أن تتخيل ما تركه هؤلاء من أثر؟
وهل تعلم ان التالية أسماؤهم غيروا وجه العلم مع أن أيا منهم لا يحمل الدكتوراه رغم ان شهادة الدكتوراه تعود الى أكثر من قرنين:
1- مايكل فرادي (صاحب قانون فارادي وعالم من علماء الكيمياء الكهربائية (وليس لديه حتى شهادة جامعية).
2- جيمس ماكسويل في الفيزياء
3- تشارلز داروين الذي رج المنظومة المعرفية بنظريته ولم يتجاوز مرحلة البكالوريوس.
4- ثوماس أديسون فقد تمكن بتعليم أولي من أن يضيء لنا الكثير من الدروب.
5- غراهام بيل الذي اخترع الهاتف رغم انه لم يكمل دراسته ولم يحصل على شهادة جامعية
6- غريغور مينديل صاحب قوانين الوراثة
7- إدوين هابيل الذي اكتشف المجرات ووضع قانون هابيل رغم انه يحمل شهادة في القانون ولا يحمل دكتوراه.
8- ستيف جوبز من بين اهم المساهمين في وضع أسس الكومبيوتر
9- بيل غيتس المعروف في برامج الكومبيتوتر
10- باكمينستر فوللر واضع نظرية النظم والقباب الجيوديسية (قياس أقصر مسافة بين نقطتين) ناهيك عن مساهماته في الدراسات المستقبلية.
بل تجد في قوائم الحاصلين على جائزة نوبل من لا يحمل الدكتوراه، تأمل الامثلة التالية:
1- آرنست ريثذرفورد في الكيمياء
2- ماري كوري في الكيمياء
3- ألبرت مايكلسون في الفيزياء
4- اما في الأدب فهم كُثر، ويكفي التذكير بنجيب محفوظ
5- أضف لما سبق من حصل عليها لجهوده في السلام (رغم أي تشكيك في الدوافع لمنحها.. فهذا ليس موضوع البحث هنا).
والآن تخيل لو ان كل من سبق غير موجود، فهل كانت الخريطة العلمية للعالم كما هي الآن؟ هل كان علم النفس سيخسر الكثير لو لم يكن فرويد الذي لا يحمل الدكتوراه موجودا؟
انني أطالب وبقوة “إعادة النظر في برامج الدكتوراه بخاصة في التخصصات الاجتماعية والإنسانية، إضافة الى وضع شروط تتماشى مع التطور العلمي في الميادين العلمية التطبيقية والطبيعية، فلملمة المعلومات ثم الدردشة حولها من أصدقاء وشلل اكاديمية ثم اعراس التخرج لا تخرجنا من الشرنقة التي اعتدنا عليها، فأغلب هذا ليس الا “للهو والعبث”.
توقفوا عن استخدام هذه الألقاب المرضية، فهل تعلموا ان أكثر وزراء خارجية الدول العظمى لا يحملون الدكتوراة، ومنهم الأمريكي (كأمثلة لا للحصر) جيمس بيكر، والروسي الحالي سيرغي لافروف والصيني الحالي وانغ يي، وديفيد ميليباند (البريطاني من 2007-2010) والفرنسي دومينيك دو فيلبا (2002-2004).
وهل تعلم ان 8 من أصل 9 عملوا كأمين عام للأمم المتحدة منذ تأسيسها لا يحملون الدكتوراه (الوحيد هو بطرس غالي)، وهي اهم مؤسسة دولية…
أتمنى لو نتخلص من هذا المرض، وأتمنى ان لا يخاطبني أحد بهذا اللقب، فانا أعلن التخلي عن هذا اللقب المرضي والذي ساهم المغرب العربي في بعض شفائي منه، ودعونا لا نغطي عوراتنا الاكاديمية بالقاب الدكتور والقامة والمفكر والعالم والرمز.. فوالله، انها لا تختلف عن الكورونا.. ربما.