د. وليد عبد الحي يكتب: مصر بين الظاهر والباطن في «طوفان الأقصى»
رغم أن مصر الرسمية «نؤكد الرسمية» تحاول الظهور كطرف حريص على «مكانة القضية الفلسطينية» في سياستها الدولية، إلا أن الضرورة تقتضي التنبه لما يلي عند احتدام المعركة التفاوضية بين أطراف الصراع:
1- إن مصر أقرب كثيرًا لسياسات سلطة التنسيق الأمني منها لتوجهات حركات المقاومة الفلسطينية، بل وكثيرا ما مارست الضغط على حركة المقاومة للسماح بتواجد العناصر الأمنية التابعة للسلطة في غزة وبخاصة على المعابر وفي بعض الدوائر الأمنية، لذا فمصر حريصة على نهش درجة تحكم المقاومة في الوضع الرسمي لقطاع غزة.
2- إن مصر لا تنظر إلى حركة المقاومة الإسلامية إلا كامتداد «لتنظيم الإخوان المسلمين»، وحكمت بالسجن على عدد غير قليل من قيادات هذا التنظيم بحجة «الاتصال بحماس أو بحزب الله»، لذا فان مصر ليست حريصة على «نجاة» المقاومة من الموقف المعقد الذي تواجهه الآن، لأن نجاح المقاومة يشكل عامل تغذية لصورة الحركات الإسلامية جماهيريا وهو أمر لا تريده مصر ولا الدول العربية الأخرى بخاصة دول الخليج.
3- تعيش مصر أزمة اقتصادية خانقة، فهي مثقلة بدين خارجي وداخلي قيمته حوالي 165 مليار دولار، وهو ما يعني زيادة تصل إلى حوالي 270% خلال فترة حكم الرئيس السيسي، ويمكن أن تقع مصر تحت إغراءات الإعفاءات من الديون أو نسبة منها أو إغراءات اقتصادية متنوعة مقابل مواقف سياسية كما جرى في واقعتين سابقتين هما في توقيع اتفاقية كامب ديفيد وفي المشاركة في الحرب على العراق، وهو أمر قد يتكرر في الوضع الحالي بخاصة أمام عروض أقل من تقبل التهجير الفلسطيني لسيناء (وهو ما نستبعد قبول مصر به لأسباب كثيرة) ولكن مقابل التعاون مع «إسرائيل» والقوى الغربية لمزيد من التضييق المموه على مساحة الحركة للمقاومة الفلسطينية.
4- إن معبر رفح ومنذ 2005 إلى 2021 تعرض لعمليات غلق وفتح متكرر، لكن مراقبة السياسة المصرية تشير إلى أن التضييق على شريان الحياة الاقتصادية في غزة كان نهجا في جميع مراحل السياسة المصرية بعد كامب ديفيد عام 1978، بل وصل الأمر إلى بناء جدران حديدية تحت الأرض لإعاقة تهريب البضائع لغزة عبر الأنفاق، وتم ربط هذه الجدران بخراطيم وأنابيب لتدفق الماء في إنفاق الجدران هذه لجعل أنفاق التهريب غير صالحة للاستعمال، والغريب أن «إسرائيل» سعت إلى نقل معبر البضائع من رفح إلى كرم أبو سالم وهي النقطة التي تقع على المثلث الجنوبي الذي يربط مصر وغزة بفلسطين المحتلة، لكي تصبح درجة التحكم الإسرائيلي في عبور البضائع -وهو الأمر الأهم- بيد «إسرائيل» تماما، إلى جانب السعي لتمثيل سلطة التنسيق الأمني في معبر رفح أو إعادة المراقبين الأوروبيين.
5- رغم أن معبر رفح جزء من السيادة المصرية التامة وعلى أرضها، إلا أن قرار فتحه وغلقه تتقاسمه مصر مع «إسرائيل» من الناحية العملية، ولا تثير مصر موضوع سيادتها على المعبر أو تهدد باتخاذ أي إجراء في «حالة ضربه» من قبل «إسرائيل» رغم انه جزء من التراب المصري.
ماذا يعني ذلك كله؟
إن الاتجاه العام لحركة الواقع يشير إلى تراكم الضغوط على المقاومة رغم أنها تبدي صمودا منقطع النظير، وإذا واصل محور المقاومة ضربات ما يبدو لدى البعض بأنه من باب «رفع العتب» ضد «إسرائيل»، فان الأمور تسير نحو أوضاع قاسية واعتقد أن مصداقية محور المقاومة بخاصة لإيران وحزب الله ستكون موضع مناقشة بين جمهوره بخاصة أن احتمالات التحول نحو حرب إقليمية ما زال أضعف لكنه ممكن، وربما تكون روسيا من المحبذين لوقوعها لكي يأخذ بوتين «استراحة محارب» في أوكرانيا ويرتب أموره هناك بعيدا عن الأضواء.