بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: نداء لمحور المقاومة: استراتيجية مقترحة

ظهر تعبير «محور المقاومة» مع بدايات عام 2002 في صحيفة ليبية، ثم تبنته وسائل الاعلام السورية والايرانية وبعض أدبيات الحركات السياسية العربية ، لكن هذه المحور لم يتحول الى «مؤسسة» ذات مجلس تنسيقي او استشاري بل ليس له اي اطار تنظيمي وانحصر مدلوله في اطار من «الوجدان المشترك في مواجهة عدو مشترك»، بل إن اطرافه لم تعقد جلسات مشتركة جامعة منذ نشوئه «النظري»، واستمر تداول هذا التعبير «محور المقاومة» على ألسنة قادة اطراف هذا المحور (ايران وسوريا والمقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن  والحشد الشعبي في العراق ) مع مساندة من تنظيمات سياسية عربية ومن قطاع غير بسيط من الرأي العام العربي.

وعليه، من الضروري الإشارة الى بعض المعطيات في تركيبة هذا «المحور الوجداني»:

أ‌- أن السمة العامة لقوى المحور هي تشكلها من قوى سياسية شعبية ذات توجه ديني يغلب عليه التشيع بقدر واضح، لكن هذا التيار نجح في ايجاد قواسم مشتركة مع تيارات دينية من خارجه (مع حماس والجهاد الاسلامي ومع قطاع من الاخوان المسلمين في لبنان وبعض الدول العربية، ومع تيارات يسارية وقومية ودينية في بعض الدول العربية في مصر والجزائر).

ب‌- واجه هذا المحور محنته الاولى في فترة الربيع العربي والذي أدى الى شرخ عميق بين طرفين اساسيين من المحور هما حماس وسوريا، لكن بقية أطراف المحور تمكنت من رأب الصدع بقدر كبير، وان كان الرأب بقي في غالبه بين الشريحة العليا في الطرفين.

ج- تمثل إيران «قاعدة المحور»، ولعل التعاون السوري الايراني وحزب الله بشكل رئيسي كان جليا وفاعلا خلال الازمة السورية في العشرية الماضية.

ث‌- اخذ النظام الرسمي العربي موقفا مناهضا وعدائيا من هذا المحور، بل والبعض منه دخل حروبا مع بعض أطراف المحور او فتح اراضيه لقواعد أمريكية وتعاون استخباراتي وسخر اعلامه لنبش كل ما يغذي التحريض النفسي والعقلي ضد المحور، بل ذهب قطاع من الاعلام العربي الى زرع فكرة ان المحور ليس إلا مؤامرة أمريكية تفاهمت عليها إيران وامريكا من خلف ظهر العرب.

وواجه المحور عددا من المواقف التي مثلت مضائق او اعناق زجاجات له، مثل الحرب اليمنية مع دول الخليج، الحروب المتكررة في غزة، التواجد الامريكي في العراق وسوريا..الخ، وكان الطرف الاكثر حرجا في هذه المضائق هو الطرف الفلسطيني في المحور نظرا لحجم التعقيدات في شبكة علاقاته الداخلية والاقليمية والدولية، وبسبب انه الاضعف في موازين القوى.

وشكلت معركة طوفان الاقصى الاختبار الاكثر صعوبة للمحور، ويكفي التوقف عند الآتي:

1- لم يعقد أطراف المحور اجتماعا لكل اطرافه لمناقشة استراتيجية التعامل مع الموقف في غزة، واكتفت الاطراف بإصدار بيانات متناغمة لكن دون اعلان خطة استراتيجية واضحة الاهداف وواضحة في الأدوار الموكلة لكل طرف.

2- ان مستوى المشاركة الميدانية بقيت منضبطة ومستقرة عند موقف يمكن توظيفه للتذرع بالمشاركة في المواجهة من ناحية والبقاء في مضيق هذه المشاركة لجعل اسرائيل والولايات المتحدة تقبل بقواعد الاشتباك مع هذا المحور.

3- يلاحظ- وهذه هي نقطتي المحورية والاستراتيجية المقترحة  – ان المحور (باستثناء الطرف الفلسطيني) قبل بإخراج المدنيين من تبادل ضرب الاهداف، فالمدنيون الفلسطينيون (عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ) لا يشكلون من منظور محور المقاومة سببا للرد عليها، واقتصر الامر على أن مفهوم المدنيين في ادبيات المحور هم “المدنيون اللبنانيون” ، وهذه ثغرة كبرى استفاد منها الطرف الاسرائيلي فائدة لا حدود لها ، فانفرد بالمدنيين الغزيين  واستقر الوضع على ان ضربهم لا يشكل خروجا على قواعد الاشتباك مع حزب الله تحديدا، وهو مضيق يخنق المقاومة في غزة الى جانب الخناق المصري على المساعدات الانسانية، فمحور المقاومة لا يرد على اي ضربة للمدنيين في غزة بضرب المدنيين في المستوطنات الاسرائيلية رغم ان ضرب المدنيين الفلسطينيين بلغ حدا استفز بايدن نفسه، وفي تقديري فانه من باب أولى الرد بضرب المدنيين الاسرائيليين بدلا من الرد على ضرب عناصر المقاومة وان تعلن المقاومة الاسلامية ذلك كاستراتيجية لها في المواجهة الحالية، لان ضرب المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم هي اضعف نقاط المقاومة في غزة، فليت المحور يلمح او يبلغ عبر الوسطاء  انه سيتبنى استراتيجية جديدة هي أنه  لن يشارك في القتال إذا ضُربت المقاومة المسلحة  فقط لكنه سيرد إذا ضُرب المدنيون الفلسطينيون في غزة ، وهو ما سيحقق هدفين:

أ‌- إظهار حزب الله بأنه يدافع عن هدف مشروع يوافق عليه المجتمع الدولي كله بما فيه بايدن ، وهو سلامة المدنيين، وسيكون المجتمع الدولي اكثر تفهما –بخاصة الرأي العام الدولي- لهذا الموقف الانساني النبيل.

ب‌- وضع معادلة المدنيين بالمدنيين يحرم اسرائيل من استغلال نقطة ضعف المقاومة الفلسطينية الأخطر وهم المدنيون، وهو ما يشكل مساندة كبرى للمقاومة وضغطا هائلا على المجتمع الاسرائيلي رغم الاقرار بان الرد الاسرائيلي قد يكون موجعا.. وهل في الحروب شيء غير الوجع؟

ولا شك ان المقاومة اللبنانية لديها هاجس جبهتها الداخلية، ففي لبنان والاقليم ودوليا من يبحث عن نهش المقاومة وادخالها في مضيق سياسي، الى جانب إدراك المقاومة للهشاشة الرهيبة للوضع الاقتصادي والسياسي اللبناني، وهنا تجد المقاومة نفسها في مضيق جديد.

4- من الواضح ان القرار الايراني استقر عند نقطة تتأرجح بين تأييد نشاطات اذرع المقاومة في الحدود التي اشرت لها وبين النشاط السياسي المساند دون خلق بيئة تشير الى مواجهة قادمة، وهو امر يمكن الاستدلال عليه من النقطة التالية: عندما قررت الولايات المتحدة  مواجهة العراق بدأت حشدا لقواتها استغرق نصف عام تقريبا، وارسلت دفعة أولى 240 الف جندي ، وحشدت 42 الف جندي بريطاني  الى جانب قوات عربية واسراب الطائرات والاساطيل ..الخ، فإذا علمنا ان القوة الايرانية الآن أقوى من العراق كثيرا في الوقت الحالي فأين هو الحشد الامريكي الذي سيواجه ايران، وهذا الامر تحديدا هو ما يجعل ايران مطمئنة ان الولايات المتحدة ليست في وضع التوسع في حروبها، وهو ما يلتقي مع الهدف الايراني، لان لإيران هموما داخلية واقليمية ودولية خارجية شأنها شأن الولايات المتحدة.

5- لا اظن ان امام الطرف اليمني -أنصار الله- خيارات متاحة غير ما يقوم به، وهو عمل ليس بالهين وفيه قدر من المخاطرة العالية جدا، ولعل ربطهم وقف اعتراض السفن في البحر الاحمر مقابل رفع الحصار المصري الاسرائيلي عن معبر رفح مطلب متوازن واخلاقي وفاعل، ولعل ضربهم لإيلات -بغض النظر عن الآثار المادية لذلك- كاف لشل هذا الميناء المسئول عن 28% من تجارة اسرائيل البحرية. وعليه يمكن تعميم استراتيجية أنصار الله في البحر الاحمر على جنوب لبنان ايضا.

6- اما الحشد الشعبي، فان هجماته على القواعد الامريكية في كل من سوريا والعراق تمثل مساهمة في تعزيز التردد الامريكي القائم أساسا في المواجهة مع المحور، ولا شك ان العائق الجغرافي والشقوق في بنية المجتمع العراقي تجعل ما يفعله الحشد هو اقصى ما يستطيع.

وهنا أعود للسؤال: الا يستحق نهر الدم في غزة والذي يعادل 225 كربلاء تصعيدا؟ إن الامر يقف حاليا عند حدود احتمالٍ يتزايد بان نقول “أُكلتُ يوم أكل الثور الابيض”، فهل نجعل من جنوب لبنان مضيقا مثل مضيق باب المندب؟ اليس ميناء حيفا كميناء إيلات؟ ,فإذا سقطت غزة.. فما مبرر وجود المحور؟ ليكن الشعار “المدنيون في غزة مقابل المدنيين في اسرائيل” هو استراتيجية محور المقاومة، واتركوا المقاومة المسلحة في غزة تتكفل بالباقي بعد أن تريحوها من عبء المدنيين والمساعدات.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى