مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: نظرية التفاوض من شايلوك الى نيتنياهو

ثمة رابط لا بد من ادراكه بين ما تكشفه رواية تاجر البندقية لشكسبير عن شخصية المرابي اليهودي شايلوك (Shylock) الذي اشترط اقتطاع كيلو من لحم جسد أحد التجار إذا عجز ذلك التاجر عن سداد الدين في موعده، وبين ما  نشرته صحيفة واشنطن بوست عن أن نيتنياهو يطلب من الفنادق التي يحل بها في زياراته الخارجية الخاصة تخفيضا مقابل ان وجوده كـ«شخصية دولية مرموقة» في الفندق هو دعاية تجارية للفندق لا بد من تحصيله على مقابل مادي لها ، بل ان زوجته حملت ملابسها عند مرافقتها لنيتنياهو في زيارة واشنطن لغسل تلك الملابس في مغسلة البيت الأبيض لتوفر بعضا من مسحوق الغسيل (واشنطن بوست /23 سبتمبر 2020).

لقد شرحت في دراسة لي منشورة بعنوان (الدراسات النفسية لشخصية بنيامين نيتنياهو- مركز الزينونة، بيروت 2021) عن البنية السيكولوجية لنيتنياهو، وقد ركزت على الابعاد التالية في هذه ا لشخصية:

أولاً: ركائز بنيته النفسية.

ثانياً: انعكاس البنية النفسية في شخصية نتنياهو.

ثالثاً: سماته الوظيفية.

رابعاً: أسلوبه القيادي.

خامساً: انعكاس بنيته النفسية على سلوكه في الصراع العربي الصهيوني.

وقد اعتمدت في هذا التحليل على نموذج الدليل التشخيصي والإحصائي المعتمد من الجمعية الامريكية للطب النفسي

(American Psychiatric Association’s Diagnostic and Statistical Manual،)

وأكاد أن اجزم أن نيتنياهو ليس إلا شخصية مُكررة لشايلوك من حيث جوهر السلوك.

ذلك يعني ان أي تفاوض (مباشر أو غير مباشر- سري أو علني) مع نيتنياهو أو موظفيه يجب أن يستحضر فيه المفاوض العربي شخصية مركبة من عناصر البنية النفسية لكل من شايلوك ونيتنياهو،

ثم يضيف لذلك استحضار ثقافة التعالي المستندة الى «شعب الله المختار»، و«العبقرية اليهودية» التي يكررها نيتنياهو باستمرار،

ناهيك عن فكرة ان العالم يكره اليهود(وهي فكرة تتلمسها في نمط تربيته وفي كتبه كما في بعض كتبه(Bibi my story وكتاب Fighting Terrorism ثم كتابه A Place Among Nations..الخ).

ونظرا لركائز بنيته السيكولوجية (النرجسية، المراوغة، البراغماتية، الكذب، الشك العميق)

فإن ذلك انتقل الى تصوره للصراع العربي الصهيوني على النحو التالي:

1- حق اليهود في ارض الميعاد (فالله عند اليهود تاجر عقارات ويقدم الهدايا للشعب المختار)

2- يستبعد أن ينتهي العداء العربي لـ«إسرائيل» في الجيل الحالي.

3- لن يقبل العرب بـ«إسرائيل» إلا بالقوة وحدها.

4- أما دينياً فهو علماني تماماً، ولا يرى الدين إلا من خلال التاريخ اليهودي.

5- إن كراهيته للعرب ليست منفصلة عن التأثير الكبير للأب ذي النزعة الجابوتنسكية، والتي تتمثل في الميل للعنف مع الآخر دون أي رادع أخلاقي مستنداً على منظور دارويني مطلق، كما أن مصرع أخيه في عنتيبي عزّز عدوانيته.

6- إن مَيله للكذب سواء في نطاق علاقاته الزوجية أم في تعامله مع الرؤساء مؤشر على أن وفاءه بالوعود السياسية هو أمر ثانوي بالنسبة له، وتدل طريقة تفكيره التي أشرنا لها إلى أنه يصعب تغيير مواقفه وقناعاته،

فهو يرى الكذب في السياسة أمراً مشروعاً وأخلاقيا ،

وهو ما يتضح في أن مراقب الدولة الإسرائيلية أورد في تقريره أن نتنياهو قد أخفى معلومات أساسية متعلقة بتهديد أنفاق قطاع غزة عن أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر قبل حرب غزة في سنة 2014،

يضاف لأكاذيبه تلك المواعيد المختلفة التي يحددها بين الحين والآخر عن الفترة التي سيكون فيها لدى إيران قنابل نووية،

والتي تتغير في كل مرة بعد تجاوز تاريخ تلك المواعيد والاعتماد على ضعف ذاكرة الجمهور،

ناهيك عن وقائع أخرى مثل الحديث عن مواقع مخازن أسلحة حزب الله قرب مطار بيروت…إلخ..

7- نظراً لعمق شكوكه في كل شيء، تجمع الدراسات على أنه غير قادر على تقديم أي حلّ للصراع العربي الصهيوني.

ذلك يستوجب على المقاومة ان تضع في اعتبارها أن نيتنياهو يميل في التفاوض الى القواعد التالية:

1- وضع شروط مسبقة لقبول التفاوض أولا، ومكان التفاوض ثانيا، وأطراف التفاوض ثالثا.

2- يطلب تقارير استخبارية وعلمية عن فريق التفاوض المقابل بخاصة الجانب النفسي والتوجه السياسي لهم.

3- يؤكد على اهمية جعل الموضوعات التي تهمه هي الأولوية في جدول اعمال التفاوض قبل غيرها

4- محاولة تجزئة التفاوض (تقسيم الموضوعات والتفاوض على كل جزئية بشكل منفرد – يحبذ التفاوض مع الاطراف كل على انفراد- ويميل لتأجيل الموضوعات التي تهم الطرف المقابل الى وقت لاحق ليمنح نفسه فرصا أفضل لمعالجتها)

5- يصر وبشكل كبير للغاية على صياغة النصوص للاتفاقيات بكيفية مرنة جدا تسمح لها بالتأويل لاحقا في الموضوعات

التي يرى فيها مكسبا للخصوم، بينما يسعى للتحديد الدقيق وغير القابل للتأويل في ما يراه مصلحة له.

6- نظرا لقناعته التامة بالداروينية السياسية (التطور لا يأتي إلا بالصراع) لا يرى أي ضير في عدم الالتزام باي اتفاق

(والخبرة التاريخية مع إسرائيل تؤكد ذلك بشكل قاطع، وتشير دراسة لمعهد واشنطن أن نسبة ما نفذته إسرائيل من اتفاق اوسلو هو 16% فقط، ولم تنفذ 84% منه)،

لذا فهو يفترض خضوع الآخر طواعية، او اجباره على ذلك.

ذلك يعني، ان اتفاقية «التهدئة المستدامة» الموقعة هذا الشهر /هذا العام/ ستكون موضع مراوغات وتأويلات وتراجعات لا تنتهي،

ولعل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ورفض نيتنياهو الالتزام بموعد الانسحاب متذرعا بان الجيش اللبناني لم يستكمل انتشاره ليس إلا اطلالة جديدة لشايلوك..

بدون ربما.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights