مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: وَهْمُ رأس السنة

كان عالمنا الكبير دوركهايم على حق عندما قال إن الناس يخلقون الأعياد ليرتاحوا ثم يصبحون عبيدا لها، فقد قسم الناس الزمن إلى تضاريس وهمية لتنظيم حياتهم ثم اعتقدوا أنها حقيقة،

فالزمن ليس كما فيزيائيا يقاس بالساعات، بل صيرورة لا بداية ولا نهاية ولا فواصل ولا محطات طالما أن التغير هو القاعدة،

فالساعة واليوم والسنة هي تضاريس اخترعها الإنسان في مناسبات خاصة واعتقد أن كل واحدة منها تشكل بداية دورة جديدة، فهناك في العالم الآن حوالي 40 تقويما، أي أن هناك أربعين رأس سنة في العالم، فالعام الجديد «الوهمي» في أمريكا ليس بداية عام جديد في السنة الصينية أو العبرية أو الهجرية أو الفارسية.. الخ،

وكل هذه التقويمات مرتبطة بمناسبات بشرية وأحيانا فردية، فبعض التقويمات مرتبطة بعلاقة حب، وبعضها مرتبط بهجرة شخص أو نبي، وبعضها مرتبط بميلاد شخص أو نبي، وبعضها مرتبط بسقوط إمبراطورية وبعضها مرتبط بأساطير وخرافات..

لكن الناس يعتقدون واهمين أن هناك دورة زمن، فكم من غباء في القول نحن على أعتاب عام جديد أو قرن جديد، وكأن الزمن له جغرافيا حقيقية، فالزمن الذي اخترعناه (تعاقب الليل والنهار) هو زمن تنظيمي إداري، لكن ليس له في الحقيقة وجود، وهو أمر أدركه أرسطو وابن رشد منذ زمن بعيد، وهو أشبه بخطوط الطول والعرض في الجغرافيا، فهي خطوط وهمية للمساعدة على الفهم، ولكن لا وجود لها في الحقيقة.. نعم تخلقون الأوهام وتفرحوا، والأدهى أنكم تصدقون الوهم.. وكم من وهم غيره تصدقون؟

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى