الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: أعمال تعدل الجهاد

هل تعلمون عملا أو أعمالا تعدل الجهاد.. ذلك العمل النبيل الذي جعله الله تعالى سبيلا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.. والذي اصطفي الله تعالى به الشهداء وفرق به بين الأولياء والأعداء؟

تلك العبادة العظيمة التي يراد للأمة أن تنساها ما بين كيد الأعداء ورغبتهم في استباحتها وما بين ركوب البعض الموجة مستغلين بعض الأعمال الصحيحة أو المتسرعة أو الخاطئة من بعض الشباب المتحمس أو المظلوم والمهمش والموتور لإلغائها ولتشويهها خدمة لمصالح الأعداء والطامعين في الأمة وخيراتها وأراضيها

هذه العبادة التي أرقت مضاجع المفسدين وكسرت معاقل الأكاسرة وقصرت حضارة القياصرة انتصارا للحق ووقوفا بجانب المستضعفين قال تعالى:

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}

 (الحج:39)

هذه العبادة العظيمة التي ارتقت من مصاف المقاومة إلى درجة العبادة تفتقر لنية وتحتاج إلى امتثال فصارت محكومة بشرع الله وفق آداب الإسلام أقول هل نعلم لها مثيلا وهل يمكن أن يعوض المسلم ما فاته من فضيلتها إن لم يوفق لها؟..

لقد جال بخاطر بعض الصحابة ذلك الخاطر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ) رواه البخاري

وعن أنسِ بنِ مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يقولُ الله عز وجل: «المُجَاهِدُ في سبيلي هُوَ عَلَيّ ضامن إنْ قَبَضْتُهُ أوْرَثْتُهُ الجَنّةَ، وإنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بأجْرِ أو غَنِيمَةٍ» رواه الترمذي.

ولحديث أبي هريرة السابق ذكرى ساقها العلماء تبين فضيلة أهل الجهاد على غيرهم فهم الذين ينصرون الدين ويلاقون الشدائد ويركبون الهوائل وتنهض بهم عزائمهم لمعاينة الموت وطلب الشهادة وهو ما ذكره الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال: أملي عليَّ عبد اللّه بن المبارك- أي في جهاده – هذه الأبيات بطرسوس في سنة سبعين ومائة وأنشدها إلى الفضيل بن عياض وكان لكثرة اجتهاده يطلق عليه عابد الحرمين):

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل * فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا * رهج السنابك والغبار الأطيب

ولقد أتانا من مقال نبينا * قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي غبَّار خيل اللّه في * أنف امرىء ودخان نار تلهب

هذا كتاب اللّه ينطق بيننا * ليس الشهيد بميت لا يكذب

قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قال، قلت: نعم، قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، وأملى عليّ الفضيل بن عياض وذكر الحديث السابق

ومع ذلك فقد أكرم الله تعالى هذه الأمة ببدائل من الأجر لينال بها درجات من الفضائل تعدل أحيانا الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام

أخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع، لأن الله تعالى يقول في كتابه {ولذكر الله أكبر)

ولا يصلح الجهاد إلا بذكر الله، وإنما الجهاد شعبة من شعب ذكر الله

وهذه الأيام المباركة أيام العشر أيضا لها فضيلة كبيرة إن أحسنا فيها عملا وذكرا واجتهادا وصلة أرحام ودعوة إلى الله وحفظا للألسن وصدقة على الفقراء وغير ذلك من الأعمال المباركة كما أخرج البخاري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام فيهن العمل أحب إلى الله عز وجل أفضل من أيام العشر، قيل يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل جاهد في سبيل الله بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء».

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند اللّه ولا أحب إليه العلم فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»،

وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان: ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة وقال البخاري: وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وقد روي عن جابر مرفوعاً أن هذا هو العشر الذي أقسم اللّه به في قوله: {والفجر وليال عشر}؛ وقال بعض السلف: إنه المراد بقوله: {وأتممناها بعشر}.

وفي سنن أبي داود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصوم هذا العشر، وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة، وقد سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال: أحتسب على اللّه أن يكفر السنة الماضية والآتية (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه)، ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند اللّه، وبالجملة فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث، وفضّله كثير على عشر رمضان الأخير، لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه، وقيل ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ وتوسط آخرون فقالوا: أيام هذا أفضل وليالي ذاك أفضل؛ وبهذا يجتمع شمل الأدلة واللّه أعلم

فأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح في تلك الأيام

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب