الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: العدل المرفوض والنهضة البعيدة!

أتذكر بتدبر ما قيل قديما من أمثال العرب: «نصف الناس أعداء لمن عدل»

أو قول الشاعر:

إنَّ نِصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ   ***   وَلِيَ الأحكامَ هذا إنْ عَدَلْ

نعم يحدث هذا مع الأسف فيرى الناس العدل ويعرفونه لكنهم لا يرغبون في إقامته.

يظنون أن في إقامته إضرارا بهم.. فيرفضونه ويقفون ضده بل يفلسف بعضهم الأمر فيتوهمون أن إقامة العدل في الناس سيؤذيهم كلهم ولن تستقيم معه حياتهم.

نفس منطق من يقول إن الشعوب غير مؤهلة للحكم بالديمقراطية.

وأرى أن هذا ينطبق على حال كثيرين ممن لا يعجبهم -أو لا يفهمون معنى- أن نعيش كراما وأن يطبق فينا العدل ولو كان شاقا أو أن نشيع فينا قولة الحق وفعله وإن كان مرا.

يستثقلون تبعة العدل ويتصورون مشقة التكليف دون أن يتكبد أحدهم عناء تصور الوجه الصحيح الجميل للعدل والإنصاف والكرامة والحق.

يكون الإنسان هنا عدو نفسه.. حين يفضل متاعا رخيصا وعيشة مترعة في الغي والفساد على وجه الحقيقة الرائع …مع ادعاء بأنه ليس بالإمكان أفضل مما استقرت عليه الأمور وكان.

والغريب أن الواحد من هؤلاء يتخيل أنه الأعقل والأرشد والأفهم.. إنه يعيي الأمور والتحديات ويدرك المشكلات على حقيقتها أما غيره -نحن بالطبع- فنعيش في عالم وهمي مثالي.

نفس التعليق بالضبط قاله الفريق شفيق على مشروع النهضة للدكتور مرسي: قال هو وهم!

لماذا هو وهم؟

خلاصة الكلام.. نحن لا نستحق الأفضل ولا نقدر عليه ولا لدينا إمكانية تنفيذه!

قد يقول إنه طموح بلا سبب.. أو إنه يعتمد على تصورات فاشلة وأحلام عسيرة التنفيذ.. قد يجيب أية إجابة صوتية تسمعها بأي لفظ لكن مفادها واحد هذه صورة مثالية لا نقدر على الوصول إليها.. لقد مضى زمن المثالية.. أنت لا تدرك حجم الضغوط ولا تتصور الواقع ومتغيراته.

نفس الشيء يقال عن كل من يخرج عن سيطرة النظام العالمي سواء بالجهاد العسكري وحركات المقاومة المختلفة او بدعم الاستقلال الوطني كخبار مهم يراعي مصالح الدول وحضارة وقيم الشعوب ولا سيما الدول الإسلامية لأنها تنطلق من خلفية حضارية ونطام متكامل منافس حقا لحضارة الغرب والشرق.

ولذا تتكالب عليهم ذئاب الشرق والغرب ويصفونهم بكل نقيصة ويدعون فيهم ما لا يخطر ببال عاقل يراقب ما يجري من الدكتاتورية وما يشبهها.

وحقيقة الأمر أن أعدائهم يخافون نجاحهم وتبعاته.

 ومن يفترض أن يدعموهم يحسدونهم أو يظهرون الواقعية الحمقاء التي يتجاوزها العقلاء أو يرددون نفس شبهات العربيين بغية الظهور بمظهر الباحثين المستقلين وهم عن كل ذلك بعيدون!

والنتيجة محاولات إفشالهم ونقد كل تصرفاتهم وأعمالهم فيوافقون بذلك طوائف من الأعداء من حيث لا يشعرون.. فيرى هذا التوجه كل العداوة والبغضاء والانتقاص والاستسخاف من القريب قبل البعيد.

 وهل الأحلام ممنوعة لنا ومسموحة لغيرنا؟

أم أن روسيا وأمريكا والغرب والشرق مباح لهم الاجتماع والتجمع والتقوى بينما بعيد علينا ذلك

حتى من يظن منهم الالتزام سقطوا في هذه الغفلة حقا!

**

المثير في الأمر أن كل الأعمال والمشاريع والاختراعات الإنسانية الفذة بدت للبعض غريبة وعصية على التصور والتنفيذ.

المواصلات بدأ من استئناس الحيوان حتى ركوب السيارات والطائرات والصواريخ.

وسائل الاتصال بدأ من الحمام الزاجل وحتى الأقمار الصناعية والاتصال عبر الشبكات.

كل الاختراعات وكل الأفكار الإنسانية وكل نظم الحكم ونظم التجارة.

حتى الأديان وما جاء به الرسل من هداية بالرغم من الآيات التي معهم وجدت عنتا ورفضا.

كل شيء جديد يجد استغرابا وربما استهجانا.

قال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}

بنفس المنطق تم التعامل مع الثورة من بدايتها.. كثيرا ما سمعنا أنه لا فائدة من كل هذا.. لا أخفي أن نفس الانهزام أصاب رجالا ممن رأينا منهم قدوات ومواقف من مفكرين ومثقفين ودعاة بصورة أو بأخرى.

رأينا جميعا الواقع المهترئ والفساد المستشري داخلا والظلم الطاغي خارجا.. فيئسنا، وحق لنا ذلك.

لقد اعتدنا على ثقافة الاستضعاف واستسغنا طعم المصاعب وتعودنا على تلقي المصائب.. فهل بعد هذا يكون لنا قيام؟

صعب علينا توقع الحل وقد نسينا -أو بعضنا- عاملا مهما بل هو أهم العوامل على الإطلاق.. عامل أن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب