د. ياسر عبد التواب يكتب: بل الحجاب رمز ديني
انبرى بعض الفضلاء لنفي أن الحجاب رمز ديني في معرض الدفاع عن الأمر الشرعي بالحجاب وقالوا وهو حق أن الحجاب حكم شرعي واجب التنفيذ فهو لا يشبه صليب النصارى ولا قلنسوة اليهودي وهنا نشير إلى أن الحجاب هو أيضا رمز ديني لدينا ولكنه ليس رمزا بالطريقة التي يبرزونها هناك
وقبل أن ندخل في التفصيل نشير إلى أن تلك المبارزة حدثت بسبب ما توارد به الخبر عن عزم فرنسا اصدار قانون يمنع الحجاب بها بدعوى أنه رمز من الرموز الدينية
ولكون المبررات التي ساقتها الأخبار لذلك القانون تزعم أن السبب في المنع هو أن النظام في فرنسا نظام علماني فلا يجوز والحالة هذه أن يسمح بشيوع تلك الرموز الدينية التي تخالف النظام العلماني بزعمهم
والحق أن المشكلة إذن ليس في كون الحجاب رمز ديني من عدمه؛ بل المشكلة الكبرى في تحكم العلمانية و أن يسمح لها المسلمون أن تزيل ما يتعارض مع مبادئها
فالواجب على المدافعين عن حق المرأة المسلمة في الحجاب أن يسعوا لإقناع أرباب الحكم هناك أو في أي بلد لإرساء مبدأ مهم وهو أن للمسلمين أحكاما شرعية واجبة التطبيق فيجب عليهم أن يحترموا تلك العقيدة عندنا وما دام المسلمون في بلادهم يطبقونها على أنفسهم فما يضيرهم من ذلك إذن
فتراث الإسلام – من نصوص شرعية وتاريخ شاهد– يعطينا المثال واضحا بأن الأمة لم تعانى أبدا من تلك المشكلة التي عانى منها الغرب ألا وهى: الحكم بالحق الإلهي الذي أفضى بالعقلاء منهم إلى إقصاء تسلط الكنيسة عليهم بالعلمانية؛ لو أضفنا إلى ذلك حقيقة لا تغفل، وهى أن النصوص الشرعية الملزمة توجب على المسلمين التحاكم إلى الشريعة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
44/ المائدة
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)
45/ المائدة
(من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
47/المائدة
(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لعزم يوقنون)
المائدة /50
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضت)
النساء /65
فكل ذلك لابد أن يوضح أن ليس للمسلم أن يتجرأ على مخالفة حكم شرعي
وقد جاءت الشريعة مفصلة لذلك التحاكم وأي متصفح لكتاب من كتب الفقه مثلا سيجد العلاقة حتمية بين الحكم وبين الدين. فمن الجهة التي ستتولى أخذ الزكاة وتوزيعها على مستحقيها كما أمر الشرع؛ أليس هذا تحاكم لشرع الله كيف يستثمر المسلم أمواله، بحيث لا يقع في ربا أو في بيع محرم أو في صورة نهى عنها الشرع كبيع العينة والعربون وغير ذلك أليس في ضبط هذا وفق الشرع حتمية تلزم التحاكم التي شريعة الله أين تذهب أبواب القصاص ، والحدود والجنايات، والمواريث والديات أنعطلها أم نؤولها أم ماذا نفعل فيها؛ أليس في تطبيقها على ارض الواقع إذعان واجب لحكم الله وحتمية ويوجبها الإيمان عبد أمر بها وألزم باتباعها؛ وقل مثل ذلك في أبواب الزواج والأسرة وأحكامهما، والجهاد والعلاقات مع الأمم الأخرى، وضوابط العهود معها ومن ذلك أيضا العقيدة ومقتضياتها من إيمان بالله وكفر وبما سواه، وولاء وبراء، ومحبة لأهل الإيمان ومقتضيات ذلك وبغض لأهل الكفر ومقتضيات ذلك .
فهل يعقل أن نقول لدين الله مرحبا بك في الأمور التعبدية كالصلاة والصيام والحج، أما غير ذلك مما أشرنا إليه فنعتذر على الالتزام به !
فيكون مثل اليهود الذين ذمهم الله لتركهم لبعض أحكام دينهم فقال عنهم ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون ) البقرة /85.
فمشكلتنا إذن مع العلمانية المتسلطة التي تكيل بمكيالين فتسمح للراهبات وهن يلبسن ملابس تشبه إلى حد ما ملابس المحجبات ؛ ويرتدن به مواطن مختلفة من العمل بالتدريس والتمريض وغير ذلك؛ في الوقت الذي يستكثرون علينا أن نسمع ونطيع لأمر ربنا تبارك وتعالى الذي ألزم المرأة بلبس الحجاب
فقال تعالى: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن) النور31
وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)
ويحدو تلك العلمانية تصور آخر نبت في ضمير الغربيين وهو أن المرأة مظلومة مضطهدة من المجتمع تجبر على الحجاب وتجبر على طاعة الزوج حتى إنهم يسارعون لمساعدتها في خلع حجابها كلما سنحت لهم الفرصة بذلك سواء عن طريق البلاد التي يحتلونها بشكل مباشر أو بتشجيع بعض الكتاب والمتنفذين في البلاد المسلمة لتزيين التبرج بدعوى التحرر ومجاراة العصر
إذن نحن أمام تحد آخر من تحديات اختلاف أنماط الفكر والثقافة بيننا وبين الغرب ؛ تحد يرغب فيه الغرب باعتباره الأقوى إلى فرض ما يريد وفقا لرؤاه وتصوراته وعضلاته أيضا
وبقي أن نشير إلى أن الحجاب رمز ديني كما هو حكم ديني أيضا فقد أشرت قبل أسطر إلى سورة الأحزاب والتي يأمر الله تعالى المرأة بالحجاب
قال القرطبي: في تفسيرها فتعرف الحرائر بسترهن، فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا. وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار..فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك. قال معناه الحسن وغيره.) انتهى
إذن هو رمز ديني لأن ذلك الحجاب يجعلهن يعرفن فلا يؤذين أي يعرفن بالعفة والطهارة فلا يؤذيهم أهل الفساد المتوفرين في كل مكان وزمان والذين يسيؤون إلى النساء بالتعرض لهن إن وجدوهن بغير حجاب وذلك من بركة الحجاب وتلك التي تغيظ العلمانيين وأتباعهم الذين فشا فيهم الفواحش حتى استمرأوها وغاروا من أهل العفاف فاستكثروا عليهم عفتهم فقالوا كلمة قوم لوط (أخرجوا آل لوط من قريتكم..) والمبرر غريب جدا ..(إنهم أناس يتطهرون)