بحوث ودراسات

د. ياسر عبد التواب يكتب: خواطر في الاقتصاد والنهضة في مصر «1»

النظر إلى الشأن الاقتصادي ليس حكرا على أحد ولئن كان الحديث عنه بشكل علمي هو لصيق بالمختصين لكنه نظرا لالتصاقه بالحياة العامة وتأثر الجميع به فيجب الاستماع في أحواله إلى الجميع فلعل فكرة تبدر من هنا أو هناك يكون لها أثر أو فائدة..

وفي بلدنا نعرف جميعا أن ثمت مشكلات اقتصادية ورثناها عن العهد البائد ولا نزال نعاني لتكرار نفس

إرث ثقيل من الإهمال وسوء التخطيط والقرارات غير المدروسة وغير المنصفة أيضا وتخبط القرارات والرضوخ لضغوط الآخرين

فضلا عن استشراء الفساد الذي عمل على توزيع المكاسب الشخصية على بائعي الوطن دون اعتبار لمصلحة البلد الحقيقية

باعوا الأراضي.. جرفوا الزراعة.. بخسوا الممتلكات.. احتكروا المواد الأولية بيعا وتصنيعا.. عطلوا الصناعات الأساسية.. نهبوا المعادن والذهب.. أمموا القناة لصالحهم.. شوهوا سمعة السياحة بابتزاز السياح

كل ذلك تم فماذا ننتظر من دولة ذلك حالها؟

ومع ذلك فيجب ألا نفقد الأمل.. فكل المشاكل لها حلول إن توكلنا على الله تعالى وأتقنا عملنا تخطيطا وتنفيذا

فنحن نعاني من سوء استخدام الموارد الهائلة التي لدينا مع كثير من الفساد وكثير من الجهل وقليل من العمل

إن الفساد هو الذي يقبع خلف حجب المعلومات عن المستفيدين منها

كم ضاع مستقبل شباب من البلد وهم يسعون خلف أوهام السفر والرخاء خارج مصر وربما غامر منهم طوائف فركبوا البحور وغرقوا أو استدانوا ليسافروا

ولو كان ثمت استغلال لخيرات البلد لعم الرخاء فيها والستر ولما ألجئ هؤلاء لهذا العنت والمشقة ولا تأخر سن الزواج حتى صارت العنوسة أصلا

لكن من البلاء أن تقع البلاد فريسة للظلم أو الجهل حتى إن المسؤولة الأوربية السابقة كاترين آشتون تقول: «إن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية إذا استغلت تلك الثروات بشكل جيد، وإن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة وثروات مصر الطبيعية خلال الـ15 عامًا الماضية من نظام مبارك طبقًا لمعلومات الاتحاد الأوروبي وأرقامه المؤكدة يبلغ 5 تريليونات دولار أميركي، وكان ذلك المبلغ يكفي في تحويل مصر إلى دولة أوروبية متقدمة، وكان يكفي لظهور 9. مليون مليونير كبير في مصر».

يا سيدي لا نريد مليونيرات.. فقط نريد لكل شاب وأسرة عيشة كريمة تكفي حاجاتهم الأولية من طعام وكساء ومسكن وعلاج بشكل لائق كريم

هل هذا كثير.. أم يستكثره علينا الحاقدون الباخسون

 

خواطر في الاقتصاد والنهضة

الأزمة الاقتصادية هي اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في قطر ما أو عدة أقطار. وهي تطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلال التوازن بين الانتاج والاستهلاك فينتج عنه ركود أو نضوب للمنتجات وهذا لا يحدث لدينا.. فلدينا فقط سوء تخطيط بينما لدينا موارد تكفينا لو أحسنا استغلالها.

وتعليل الأزمات الاقتصادية لدى الاقتصاديين أنها تظهر بسبب الفوضى في الإنتاج وعدم المساواة في توزيع الثروات، أو قلة استهلاك الطبقة العاملة.

وبخلاف هذا يفسر الكثير من الاقتصاديين الأزمة المالية بالعوامل النقدية، وبصورة خاصة إساءة استعمال الائتمان عن طريق التوسع فيه بحيث يؤدي ان آجلاً أو عاجلاً إلى رفع اسعار الفائدة، فيقل التداول النقدي، ويعجز المنتجون عن تصريف سلعهم، وهذا يؤدي إلى انخفاض في الأسعار بحيث يصل إلى حد يؤدي إلى زيادة الطلب فتنتعش الأسعار نسبياً، ويتسع نطاق الإنتاج ويقبل الأفراد على الاقتراض وتزداد عملية الخصم، وهكذا تبدأ الدورة من جديد بالمغالاة في الاقتراض، وإساءة استخدام نظام الائتمان وفي الحقيقة فإن عملنا وثرواتنا ليست وهمية كما يحدث في نظام الائتمان الذي يبيع الوهم على أصول ثابتة يتم تداولها على نحو سبب الكارثة العقارية لأمريكا.. لا يقوم اقتصادنا على هذا والحمد لله وليس هذا هو واقعنا.

وأول طريق النهضة الاقتصادية هو أن نعرف أن ارتباطا تاما بين الزراعة والتصنيع والتجارة

أسس ثلاث لانفكاك بينها وحدة متكاملة ويجب الربط بين نهضتها جميعا

لا صناعة بدون زراعة تمده بالخامات ولا تجارة بدون تحسين الصناعة

والتي منها الصناعة القائمة على استغلال خيرات الأرض الزراعية والمعدنية

ولقد ابتلينا بزمان الاستعمار منعنا فيه من التصنيع لأن الانجليز كانوا يرغبون في تفرغنا لإنتاج الخامات وليسوقوا علينا إنتاجهم

ثم جاء الفكر الاشتراكي فأعلى شأن الصناعة على حساب الزراعة فأهملناها وتراخينا في الصناعة أيضا فالعامل يجد نفسه أقوى من أن يحاسب فأهمل

ثم ورد فكر السوق فجاء ليكمل المسيرة ويحول الدفة نحو التجارة والانفتاح فنافسوا بتجارتهم أسواقنا الواعدة فأضروها

ولو كان ثمت تخطيط سليم يراعي التوازن لم نكن أبدا لنصل لمثل هذا الحال

يلاحظ الدكتور محمود عبد الفضيل الباحث الاقتصادي أن نظرة تبسيطية سادت في كتابات وممارسات التنمية في الوطن العربي، ويقول إنه بعد سنوات طويلة من المعاناة والفشل التنموي تكونت فكرة وافية عن ثنائيات بالية يجب تجاوزها، ومن أمثلة ذلك الخيارات الحرجة التي تواجه رسم السياسة الاقتصادية في مجال التنمية والنهوض الاقتصادي، فقد طرحت أحيانا معادلة ثنائية قوامها: صناعة أم زراعة؟ وثبت تاريخيا أنه لا يمكن أن يكون هناك تصنيع دون قاعدة زراعية جيدة، كما لا يمكن أن يكون هناك تقدم زراعي دون قاعدة صناعية جيدة، وقد نجح الصينيون حينما طرحوا شعار (السير على ساقين)، ولا شك في أن ذلك يمثل لنا درسا نحن الذين أهملنا الزراعة كثيرا على الرغم من أنه كانت لدينا زراعة جيدة في العراق ومصر والشام وها نحن الآن من أكثر البلدان استيرادا للغذاء على الرغم من توافر الماء والأرض، ولا شك أن ذلك يمثل فشلا تنمويا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى