مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: زمن البيع

نحن في زمن بيع.. يبيع الناس كل شيء.. دعك من بيع الممتلكات وغيرها

أقصد بيعا من نوع آخر وإن شئت فقل أنواع أخر..

مجاهدين أشاوس.. زعموا.. وأصحاب أفكار ومذاهب وأقوال وتحليلات.. بل وحتى علماء وشيوخ يفرون من تهمة الإرهاب.. باعوها.. فأماعوا الفتاوى وداهنوا وأوقعونا في حيرة وتيه.. كلهم بائعون

بائعو كلام وبائعو أفكار وبائعو أهواء والأدهى بائعو ضمائر ودين..

عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:

(بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم: يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا!)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ…

هي الفتن إذن فتن السراء أو الضراء ولعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب.. تمر الفتن كالليل المظلم ويا ليته كان ليلا مقمرا فيبصر الناس مواضع أقدامهم ومواطئ نوازلهم.. بل تأبى الفتنة بالإنسان إلا أن تزيده تيها.. سبحان الله العظيم ينقلب الرجل من النقيض إلى النقيض ومن الإيمان الممدوح ليس إلى درجة أدنى.. بل إلى الكفر ذاته والعياذ بالله تعالى

فأسأل الله تعالى لي ولكم السلامة والعافية من ذلك البيع.. إنه بيع حقيقي يتنازل فيه الإنسان عن مبادئه ودينه بمحض إرادته وفي ظلمة تيه أوقع فيه نفسه بكامل رغبته يظن أنه يستجلب لها المصالح وهو يقتلها ويذبحها ذبحا

عن المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ قالَ:

(أيْمُ الله لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنّ السّعِيدَ لَمَنْ جُنّبَ الْفِتَنَ، إنّ السّعِيدَ لَمَنْ جُنّبَ الْفِتَنَ، إنّ السّعِيدَ لَمَنْ جُنّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهاً)

 أي فعجبا لنجاته وهنيئا له

لقد اختلطت المفاهيم.. على أكثر أدعياء الفكر وأصحاب القلم -إلا من رحم الله تعالى- فلم يجدوا أيسر من البيع

زيارة مستترة لسفارة أو لقاء في الظلام أو حتى في احتفال مشبوه.. وتلتقي الفكرة المريضة بالعرض الداعر

ويتم البيع.. وتخرج الصحف ووسائل الإعلام مسودة بأفكار بعيدة كل البعد عنا

قل لي بربك أليس ذلك بيع للدين والضمير حين يكتب كاتب محلي في صحيفة محلية (وكان متسربلا قبل ذلك بدعوى الفكر وعميد سابق لكلية ذات شأن.. ألا تبا للألقاب)

فيقول ممتنا بأسياده أن لهم المنة علينا فهم الذين حرروا البوسنة وحرروا الكويت وحرروا العراق وأسقطوا الأنظمة المتسلطة في ست دول في مغالطة – نسبتها اللغة الدارجة إلى محاولة ادعاء خلل العقل (الاستهبال أعني).. يريد أن يوهمنا أن من دك بلادنا وقتل أطفالنا ورمل نساءنا جاء لمصلحتنا وليرفع خسيستنا خاب وخسر.. أي ظلم هذا وأي قلب وتلبيس ولي للحقائق

ما جاءوا إلى بلادنا -والله- إلا رغبة في ثرواتنا ونصرة لفكرهم وكفرهم ودعما لرائدتهم إسرائيل.. هكذا بنفس الترتيب والله أعلم

إن حالهم وحالنا كمثل حال فرعون لما قتل بني إسرائيل ثم لما جاءه موسى عليه السلام داعيا قال له ممتنا: (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين..) فرد عليه موسى بالحق فأعاد الأمر إلى حقيقته: وتلك نعمة تمنها عليّ أن عبدت بني إسرائيل)! أي أتمن عليّ بأن ربيتني وليدا وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم؟! أي ليست هذه بنعمة؟ لأن الواجب كان ألا تقتلهم ولا تستعبدهم فإنهم قومي؛ فكيف تذكر إحسانك إلي على الخصوص؟!

وهنا نقول مهما كانت أفعال الاحتلال بها بعض فوائد كتخليص الأمة من بعض الأنظمة الفاسدة؛ فليس في ذلك منة من المعتدي لأن إفساده أكبر وظلمه أعتى

 أما الادعاء برغبتهم في مساعدتنا أو أن ذلك صادف مصلحتنا فهو كما وصفته سابقا (استهبال)

فقل لي بربك هل يتحمل ذلك الدعي ذنب قتل آلاف الأبرياء الذين قتلوا وشردوا وفقدوا عائليهم وهدمت بيوتهم حتى ولو كان بعد ذلك كل فائدة مدعاة؟

إن الإسلام علمنا قيمة الإنسان فكل مسلم له حرمة هي أشد من حرمة الكعبة

 وقديما قال عمر معلما إيانا ورادا على قائد تسبب في قتل جندي بأن أمره بالسباحة في برد شديد فمات

 فقال عمر: مسلم واحد أحب إلى من كل ما جئت به.. فهكذا نعلم نحن البشرية لا أولئك القتلة الذين يشبهون- في ادعائهم إرادة الخير- من يسرق ليتصدق أو من تزني لتحسن بما حصلت عليه من أموال

روى الديلمي عن الحسين بن علي: مثل الرجل الذي يصيب المال من الحرام ثم يتصدق به لم يقبل منه إلا كما يتقبل من الزانية التي تزني ثم تتصدق به على المرضى.

ومطعمة الأيتام من كد فرجها * لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

فهل يعي دعاة التحضر وقحاب الإحسان ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى