بحوث ودراسات

د. ياسر عبد التواب يكتب: زواج المسيار بين الإباحة والواقع

حيثيات الإفتاء الفقهي في المعاملات تخضع غالبا لثوابت أساسية مثل فهم النص الشرعي في ضوء أصول الفقه

وهي بذلك تشبه العمليات الحسابية في تجردها ووضوح حلها فيما تشبه القضاء في التزامه بالنصوص.

فإن طبق الفقيه النصوص في مسألة فلابد أن يعمل الأمرين معا.. التزام بالنص -أولا-

ومن ثم يوضع معنى النص في دائرة أصل فقهي يقهم من خلاله المسألة

وعلى هامش الكلام نذكر بأن للأئمة المجتهدين أصول استخرجوها من خلال تعاملهم مع النصوص الشرعية

فرتبوها وفق اجتهادهم من حيث الأهمية فكلهم اتفقوا على الأصول الكبرى مثل النص الشرعي في الكتاب والسنة وإجماع الأمة

وبعد ذلك تنوعت أصولهم كل بحسب اجتهاده فمنهم من توسع في القياس

ومنهم من اجتهد في تتبع ما أثر عن الصحابة ومنهم من انفرد بأصل كعمل أهل المدينة أو توسع في سد الذرائع مثل المالكية

ولذا كان الاختلاف في بعض الفروع.

أقوال العلماء في زواج المسيار

ومما ينبغي للمفتي استحضاره أيضا معرفته بأقوال العلماء وما أدى إليه اجتهادهم في المسائل

وقد كان الإمام أحمد لا يجيز الإفتاء إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة وقال في رواية حنبل ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتي

ومما لابد منه للمفتي أن يستلهم روح النصوص الشرعية ويستصحبها معه في أثناء نظره في المسألة

وقد تجد هذا مؤصلا في قواعد وهو ما يطلق عليه العلماء القواعد الفقهية

وقد لا تجده مؤصلا لكنه يعتمد على قدرة الفقيه على استلهام روح الشرع وتوجهاته العامة في المسائل وهذه في الحقيقة تفتقر للموهبة بجانب العلم

وإن شئت فقل إن طول النظر وإدمان التعامل مع القواعد والنصوص يساعد على نمو تلك الموهبة والملكة

وهنا تجد الاختلاف أكبر بين العلماء في المسائل حسب موهبتهم في تلك الأمور

بيد أن المفتي عندما يستحضر كل هذا فإنه ينبغي عليه أن يحترز من إدعاء إصابته لحكم الله تعالى في المسألة

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله

وقال فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك فتأمل كيف فرق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد

ونهى أن يسمى حكم المجتهدين حكم الله ومن هذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حكما حكم به..

فقال هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر فقال لا تقل هكذا ولكن قل هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب..

وهذا من ورعهم وشدة تحريهم رحمة الله عليهم.

موضوع إباحة زواج المسيار

وبعد هذه المقدمة دعونا نتأمل في موضوع إباحة زواج المسيار والذي تتداوله ألسنة المتخصصين والعامة في

وخاصة بعد ما أفتى مجمع الفقه الإسلامي بجواز هذا النوع من الزواج.

فمن الناحية الفقهية النصية البحتة تجد أنه لا مانع من هذا النوع من الزواج إ ذا توافرت شروط الزواج الأصلية من الإيجاب والقبول والولي والشاهدان

فهذه شروط الزواج الفقهية فإذا اختارت المرأة طواعية أن تسقط بعض حقوقها كالنفقة والسكنى والمبيت

أو القسمة في الأيام فلها ذلك فهذا لا يمنع فقها من مشروعية الزواج..

إن أضفت لذلك أن هذا النوع من الزواج قد يساعد في حل مشكلات كثير من الفتيات سيما كبيرات السن

لذا فقد عمد أصحاب النظر الفقهي لإباحة هذا النوع من الزواج..

مقاصد الشريعة

وهنا نحتاج للنظر أيضا في ضوء روح التشريع فكما نعلم أن من مقاصد الشريعة حفظ الأعراض والمسيار

وإن كان قد يساعد في ذلك لكن لو نظرنا إلى مقاصد تكوين الأسرة سنجد اختلافا وربما تضادا بين روح الشريعة في تكوين الأسرة وبين زواج المسيار..

حيث تنتفي كثير من مقاصد الشريعة من الزواج مثل الأبناء وتربيتهم والسكن النفسي البعيد عن الإرواء الجسدي

وكما وصفه أحد الدعاة قائلا هو زواج الجبناء من الرجال ولقد اهتم الإسلام أشد الاهتمام بالأسرة،

وسن التشريعات التي تضمن لها التماسك والاستقرار،

ويكفي أن نشير هنا إلى أن هناك سورتين في القرآن «النساء» و«الطلاق» تنظمان العلاقة بين قطبي الأسرة: الرجل والمرأة،

بالإضافة إلى الآيات المتفرقة في سور القرآن الكريم والتي تعالج شئون الأسرة.

مقاصد أوسع وأعمق للزواج

يقول الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله: «والزواج في الإسلام له مقاصد أوسع وأعمق من هذا، من الإنجاب والسكن والمودة والرحمة.

وأنا لا أنكر هذا، وأن هذا النوع من الزواج ليس هو الزواج الإسلامي المنشود، ولكنه الزواج الممكن الذي أوجبته ضرورات الحياة».

وفي ضوء الواقع يجب ألا نتوقع أن تسارع النساء لا أولياؤهن إلى تزويج الفتيات لمجرد إباحة العلماء لهذا النوع من الزواج.

فلقد أشرت في مقالات سابقة إلى مرض تعنت بعض الأولياء بسبب الرغبة في تزويج الفتيات من الأقارب أو الأغنياء

بينما يكون المتزوج بالمسيار غالبا أفقر من المرأة أو يرغب في الإسرار بالزواج فيفوت على أسرتها ما يرغبون فيه من الاعتزاز بزوج له وجاهته الاجتماعية..

بل إن كثيرات من اللواتي جربن زواج المسيار بعد فترة منه وبعد سكون النفس وذهاب رغبة التجريب لحياة جديدة..

وعند سكون عارم الشهوة تتبدى لهن الحاجة إلى بعض مقاصد الزوجية من الإنجاب أو العدل في القسمة.

وربما يبدأن بالمطالبة بما تجاوزن عنه في بداية الأمر..

وهكذا يصبح المسيار مشكلة قد تفضي بالأمر إلى الطلاق في نهاية المطاف.

لا يحقق كل مقاصد الشرع

وخلاصة الأمر نقول إن إباحة زواج المسيار لا يعني بالضرورة أنه يحقق كل مقاصد الشرع لكنه يبقى حلا مناسبا لبعض أفراد الأمة وليس لكلها فهو ليس حلا عاما

أما الحل الأولى من وجهة نظري فهو السعي لتيسير أمور الزواج للشباب بمنح الدول لهم منحا أو قروضا حسنة طويلة الأجل مع توعية الآباء والبنات بعدم التعنت في مطاليب الزواج..

كما نسعى ويسعى أصحاب الوجاهات والقدوات إلى إشاعة تعدد الزوجات بين كبيرات السن فلعل كل هذا يكون مساعدا في مشكلة العنوسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights