د. ياسر عبد التواب يكتب: صناعة التفاهة
التفاهة داء يمهد لما بعده لأنه يضعف الإنسان عن المقاومة ويمهد له طريق الضلال والاستسلام بل ويزيد من شقائه وتعاسته وضياعه والشعور بفقدان الهدف وكثيرا ما يؤدي به إلى الانتحار
تعريف التفاهة التافهين لغة واصطلاحا:
قال في معجم المعاني:
التافه: القليل القيمة، ومنه قولهم: تجوز المعاطاة في التافه. (فقهية)
التَّشَاغُلُ بِتَوَافِهِ الأَشْيَاءِ: التَّلَهِّي بِهَا.
هُوَ رَجُلٌ تَافِهٌ: غَيْرُ مُتَّزِنٍ، قَلِيلُ العَقْلِ لاَ قِيمَةَ لأَعْمَالِهِ، حَقِيرٌ.
يَشْتَغِلُ بِتَوَافِهِ الأُمُورِ: بِمَا لاَ أَهَمِّيَّةَ لَهُ.
ومصطلح (صناعة التفاهة) مركب يجمع بين معنيين: معنى التفاهة ومعنى الصناعة أي أن هناك من يتعمد تسويق تلك التفاهة واهتماماتها والركون إليها (يصنع) ويجعلها عملا رائجا بين الناس ويشغل الناس وقتئذ بتوافه الأمور ويشغلهم عن الجاد والمفيد منها
وذلك بتغيير طرق تربيتهم وثقافتهم ونظرتهم إلى الأمور الجادة واستبدالها بالمبهرج والمشهور وإن كان لا قيمة له في عالم الحق والحقيقة والنفع والفائدة الدنيوية أو الأخروية وتغيير القدوات بتشويه الجادين والناصحين والمميزين خلقيا وفكريا وتسويق المنحرفين أو الهزالين أو المهتمين بالسفاسف
وهذه صناعة جبارة تمالأ عليها بقصد أو بغير قصد جماعات من المخططين في مجالات مختلفة كل يروج لها في مجال من المجالات حتى الدين لا يسلم من ترويج لقضايا لتشغل عن أخرى أهم وأولى وقل مثل ذلك عن كافة المجالات حتى الجاد منها كالسياسة والاقتصاد والاجتماع وانتهاء بالثقافة والإعلام والفن والرياضة والترفيه
وسنتوسع في ذلك لاحقا
وهناك نظريات في الاتصال تفسر هذه السلوكيات:
– مثل نظرية الغرس الثقافي وفيها يعمل تكرار قضايا معينة كارتباط التقدم باحتقار القديم أو التراث أو بمعنى أوضح للبعض احتقار الدين وتكذيبه أو حتى ملابس المتدينين حتى يحكم من تعرض لذلك بنفسه على تلك القضايا بأي صور يراها لاحقا
(وفي الغرب لدينا قضايا نمطية: مثل الإرهاب وادعاء ارتباطه بالمسلمين الخ) فمجرد وجود مسلم في مكان يستحضرون معاني الإرهاب ويتصرفون على أساسه
– هناك نظرية مثل ترتيب الأجندة مثلا: وفيها يمكن إعادة توجيه المجتمع من خلال إبراز بعض القضايا من خلال التناول الإعلامي والاستعان بالموثوق فيهم من المفكرين للترويج لها ومنحها مساحات وتنوع وكرار ؛ بينما في قضايا أخرى يتم إغفالها (انظر مثلا إلى المساحات الزمنية الممنوحة للترفيه أو للفن أو للرياضة مقارنة بالجاد من مساحات التنوير أو الإبراز للنماذج الناجحة والأكفار التي تنهض بالأمم وتفيد أفرادها)
– ونظرية اهتمام وسائل الإعلام وفيها يمنح الناس درجة اهتمامهم بالقضايا مقيسة باهتمام الإعلام بإبرازها وكلما تم تجاهل الإعلام مواضيع معينة يراها الناس غير مهمة بينما العكس هو الصحيح (انظر كيف تمرر الحكومات اتفاقات قد يكون فيها هدر لحقوق الدول بتقليل تعرض الجمهور لتفاصيلها)
– وقل مثل ذلك في أساليب الدعاية المختلفة: من إبراز لزعماء وصناعتهم وسبل تحسين صورتهم وشيطنة المخالفين وذمهم وإبراز عيوبهم وهذا قد نتناوله لاحقا
حتى صارت ثقافة المجتمعات تميل للتوافه وتقبل التافهين وتلفظ الجادين فيسهل بذلك ترويج كل ما منشأنه يضر بالمجتمعات والدول والحضارات
إنها أيد خفية تروج وتمرر وتدفع وتكافح وتناوئ ويتلقفها البعض عن عمد أو عن غير عمد ليروج لها فتبتلى بذلك المجتمعات وتضيع أجيال
—
وروى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة وانس بن مالك وغيرهما: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون، أو قال: سيأتي على الناس، أو قال: قبل الساعة، أو إن بين يدي الساعة.. سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة».. قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». وفي لفظ عند أحمد «الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». وفي رواية: «الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة».
وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، وخبر صادق من الذي لا ينطق عن الهوى، وإخبار بغيب لم يقع كيف يقع حين يقع، وهو واقع لا محالة، وقد وقع كما أخبر ووصف صلوات ربي وسلامه عليه..
والأمر كما قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)
فبين صلوات الله وسلامه عليه أنه بين يدي الساعة تتغير الأحوال، وتتبدل المفاهيم، وتنقلب الموازين.. ويعيش الناس في خديعة كبيرة، لا يعرفون صادق الناس من كاذبهم، ولا أمين القوم من خائنهم.
—
و جاء في الأثر عن عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى الرجل سبهللا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، ومثله في المعنى والألفاظ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إني لأمقت الرجل أراه فارغا ليس في شيء من عمل دنيا ولا آخرة»
(السبهلل معناه في اللغة الفارغ كما في لسان العرب).
—
ومثل هذا المعنى ورد عن كثير من العلماء والحكماء مثل قولهم: لا ينبغي للعاقل أن يرى إلا ساعيا في تحصيل حسنة لمعاده أو درهم لمعاشه. وهو موافق لروح هذا الدين العظيم الذي يحث على العمل ويكره العجز والكسل، يقول الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة: 105 وقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} الشرح: 7
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل».
رواه البخاري ومسلم.
الرويبضة هو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
— فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء وكل يعمل على شاكلته
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
— (إني لأمقت الرجل أراه فارغا ليس في شيء من عمل دنيا ولا آخرة )
ابن مسعود رضي الله عنه
— إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت، فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكره والأنس بقربه في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها؟
ابن تيمية
— الحق لا يشبه الباطل وإنما يموه بالباطل عند من لا فهم له
الإمام ابن الجوزي
— ولا أدري لماذا تهتاج أمة لهزيمة رياضية ولا تهتز لها شعرة لهزائمها الحضارية والصناعية والاجتماعية؟
الشيخ محمد الغزالي
— بعض البسطاء تدهشك استقامتهم…وبعض العلماء يدهشك اعوجاجهم
فلا تكونوا دوما أسرى للعناوين وعبادا للألقاب
مصطفى لطفي المنفلوطي
— من يتنكب طريق النور لن يجد إلا الظلام والضياع
حسبوا أن العالم الحر سيثور على الظلم والعدوان وما دار بخلدهم أن الضمير العالمي قد مات
الأديب والكاتب / عبد الحميد جودة السحار
— إنك لو نظرت في حال الأفراد لوجدت أنهم يتأثرون من الأوساط التي يعيشون فيها، فإذا وجدت الفرد متعلقاً بالدنيا، فإن الوسط الذي يعيش فيه غالباً فيه ميل إلى الدنيا، وتجد الفرد ذا الإيمان القوي إذا نظرت في الوسط الذي يعيش فيه، فإنك تجده غالباً وسطاً إيمانياً مشحوناً بتقوى الله سبحانه وتعالى
محمد صالح المنجد
— الدنيا أهون على الله من أن تكون عقاباً للكافر, أو أن تكون مكافأة للمؤمن؛
لأنها محدودة, ولأنها زائلة, ولأنها منقطعة بالموت,
فعطاء الله لا يمكن أن يكون منقطعاً بالموت, عطاء الله للأبد, فالدنيا ليست من عطاء الله عز وجل
الشيخ محمد راتب النابلسي
— لا شيء يضر قضية عادلة مثل المغفلين والمتعصبين بين أنصارها
إيبور (فيلسوف مصري قديم)
— لا يوجد ما هو أكثر فظاعة وإهانة ومدعاة للكآبة مثل التفاهة
الأديب العالمي / أنطون شيخوف
— التواصل يحدث وفق شروط المستمع
توماس أريكسون (مؤلف كتاب محاط بالحمقى)
— لا تعادوا الأفكار أو تحاربوها فهي تنمو كلما حاربتموها بل اصنعوا لها رجالا ثم اهدموهم فتنهدم معهم
اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس وكلما كبرت الكذبة سهل تصديقها
أعطني إعلاما بلا ضمير.. أعطك شعبا بلا وعي
جوزيف جوبلز – وزير دعاية هتلر
— نحن نعيش في عصر التفاهة: حيث حفل الزفاف أهم من الحب، ومراسم الدفن أهم من الميت، واللباس أهم من الجسد، والمعبد أهم من الله
إدوارد جالينو – كاتب وروائي إسباني