د. ياسر عبد التواب يكتب: لذة طاعة الله تعالى
من الناس من يظن اللذة بشرب شيء مما حرمه الله تعالى وقد يجد لذة ساعة لكن سرعان ما تنقضي اللذة.. ويعقبها الندم
وقد يظنها البعض بالنظر الحرام ولكن سرعان أيضا ما يتوه في لذته الحرام فيفقدها ويرى حقيقتها عارية ليعود أيضاً بالندم.
ومن الناس من يظن اللذة بكثرة المباحات والعب منها وبعضهم يظن اللذة في بعض متاع الدنيا كالأكل مثلا…
وهذه كلها لذات زائلة.. منتهية.
ولكن هناك صنف من الناس يجد اللذة عند فهم القرآن وتلاوته.
عند الوضوء بتأن وإسباغ ثم الصلاة في روحانية وخشوع.
عند قيام. الليل والإتيان بالذكر ومساعدة الغير والبر بالوالدين وصلة الأرحام لذة العبادات ليس فيها ندم. ليس فيها باطل. لذة العبادات تأتى من الله وتستمر.
وعليك إذا أردت الوصول لهذه اللذة أن تبدأ صفحه جديدة مع الله بالتوبة.
وأن تخشع في عبادتك وتخلص فيها لله تعالى لتتنعم بجمال العبادات.
لذات الدنيا منقطعة أما لذات الآخرة فهي مستمرة بفضل الله تعالى.
لذة الدنيا يمل الإنسان منها أما لذات الآخرة فلا يمل الشخص ولا يكل.
لذات الدنيا كثيرا ما تفوت لذات الآخرة أما لذات الأعمال الخيرة فلا تفوت لذات المباحات من الدنيا بل تزيدها بهاء.
فلذات الدنيا فيها منغصات ومكدرات بعكس لذات الآخرة فليس فيها أي من هذا بل إنها سعادة للمؤمن.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
وهذه الموعظة التي جاءتنا من ربنا هي كتاب الله، وما تضمنه من أخبار صادقة نافعة وأحكام عادلة مصلحة للخلق ليس في دينهم، فحسب ولكن في دينهم ودنياهم إنه موعظة يتعظ بها العبد، فيستقيم على أمر الله، ويسير على نهجه وشريعته. إنه شفاء لما في الصدور، وهي القلوب.
شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار عن الحق أو على الخلق إنه شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق والحسد والغل والحقد والبغضاء والعداوة للمؤمنين.
إنه شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق، فلا عيش أطيب من عيش المتعظين بهذا القرآن المهتدين به، ولا نعيم أتم من نعيمهم.
• يقول عثمان بن عفان (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله عز وجل).
فلا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوهم فهو لذة قلوبهم.. وغاية مطلبهم، والصديقون إذا قرأ عليهم القرآن اشتاقت قلوبهم إلى الآخرة.. وتفكروا في طاعتهم لربهم.
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلفت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- (والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله وذكر محامده وآلائه وعباداته من اللذة مالا يجده في شيء آخر) ولقد سميت مجالس الذكر برياض الجنة للذة الحاصلة في إذا عمرت بذكر الله عز وجل.
**
قال صلى الله عليه وسلم مبينا الفرق بين جميع الملاذ ولذة الصلاة [.. وجعلت قرة عيني الصلاة]
فهذه الصلاة إنما تكون لذيذة ممتعة إذا وقف الشخص بين يدي ربه خاشعا ذليلا وأيضا محبا راغبا فمن كان حاله هكذا انصرف منها متألما لأنها كانت له نشاطا وراحة وروحا.
فلا يتمنى أن يخرج منها فهي قرة عينه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا فما يزال في ضيق حتى يدخل فيها قال ثابت البناني: اللهم إن كنت قد أعطيت أحدا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري) فلا يريدون أن ينقطعوا عن هذه اللذة حتى بعد الموت.
أما قيام الليل فقد كان له عند الصحابة والتابعين والسلف منزلة عظيمة.
• يقول ابن المنكدر -رحمه الله- (ما بقي في الدنيا من اللذات إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في جماعة).
• كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
ومن فضائل صلاة الجماعة والتبكير إليها:
(من أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوماً كتبت له براءتان براءة من النفاق وبراءة من النار) كما قال صلى الله عليه وسلم
* إدراك دعاء الملك واستغفاره لك.
* لا تفوتك صلاة جماعة مع تبكيرك للمسجد أبداً.
* صلاة الجماعة سبب لتعلق القلب في المساجد.
* أنه يكتب لك الأجر منذ جلوسك حتى خروجك فطول الجلوس والتبكير له فوائد متعددة.
* التبكير سبب للمحافظة على السنن الرواتب وفي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله اثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة).
أما الإنفاق فكان عندهم من الأمور المهمة فقد كان بعض السلف يتصدق بطعامه ويترك نفسه بلا طعام يرجون بذلك الأجر من الله عز وجل.
وكانت فرحتهم كبيرة إذا رأوا الفقير قد أكل وسد جوعته.
وإذا نظروا إلى اليتيم قد أخذ هديته وإذا رأوا العاري قد اكتسى مما أعطي له.
وأما الزكاة فهي الركن الذي قرن الله دائما بينه وبين الصلاة وهي حق من حقوق الفقراء فما جاع الفقراء إلا بتقصير الأغنياء فالزكاة من أعظم القربات والبر فإن الله تعالى قال لرسوله: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
فهي تطهر نفسك من البخل وتطهر الفقير من الحقد والحسد وتطهر المال من المحرمات فيجد المرء متعة ولذة بإخراجها وبالنظر إلى أثرها في الناس.. وأعرف رجلا وجد سعادته الحقيقية في مسعدته للناس بماله فلا يقر له قرار ولا يهنأ له بال إلا بالصدقة ومتابعتها لإيصالها إلى مستحقيها.
وهكذا فقل في جميع العبادات والطاعات سيجد لذة وراحة وطمأنينة وسكينة في أدائها والاستمتاع بها.
بل يجد أيضا متعة أخرى وحلاوة يذوقها بالامتناع عن المحرمات ففي الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا) رواه أحمد.
وإنما أراد والله أعلم أن يقع بصره عليها من غير قصد، فيصرف بصره عنها تورعا.
قال تعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31) سورة النساء
فهكذا الطاعات ومنها ترك المحرمات تورث المتنعمين بها لذة لا تضاهى تهون بها مشاقها وتكون بشارة بنعيم الجنة