د. ياسر عبد التواب يكتب: ما هي قضية الإعلام الأولى؟
سؤال يطرح نفسه وقد تختلف الإجابات
قد يقول قائل: هي تطبيق أهداف الإعلام (إخبار – تثقيف – ترفيه – توجيه مجتمعي)
وقد يقول البعض هي الحرية وقد يضيف آخر المسؤولية بأنواعها.. وقد يفصل البعض أو يختصر
لكنا نقول هنا أن كل هذه التصورات مع صحتها من جهة إلا أنها قاصرة من جهات أخرى.. إنها تصف الاهتمام أو الغاية من جهة واحدة قد تفي الغرض لكنه استيفاء جزئيا لا كليا.
نريد أن نشير إلى هدف يجمع كل تلك التصورات ويزيد عليها
وفي هذا الصدد لا نرى غرضا – أهم ولا أسمى ولا أرقى – يصلح لأن يكون هو قضية الإعلام الأولى من (النهوض بالإنسان والتفاعل معه)
نعم النهوض بالإنسان والتفاعل معه هو مهمتنا الأساس وهي تتضمن كل ما يمكن أن يكون أداة أو مظهرا من مظاهر التعامل مع الإنسان.. مما سبقت الإشارة إليه ومن غيره من التصورات والأدوات
فالحرية أداة يستخدمها الإعلاميون وغيرهم لتحقيق هذا الهدف.. والمسؤولية ضابط من ضوابط الحرية لتحقيق دورها ولتبصير من يقوم به للحدود التي يجب ألا يتجاوزها.
وأهداف الإعلام إنما صيغت لتحقيق هذا الهدف الأكبر أو لتدعمه حتى وإن لم يشعر من صاغوه بهذا التحديد الذي ذكرناه
وهذا التحديد لقضية الإعلام الأولى ليس هلاميا بحيث يمكن ادعاء أن الجميع يقوم به فيمكن أن نعمم النظر إليه من كافة خلال الفلسفات والتصورات البشرية للإنسان والنهوض به والتي كثيرا ما تضره من حيث تظن أنها تنفعه؛ وإنما نقول إن النهوض بالإنسان إنما يتم وفق منهج من صنع هذا الإنسان وأوجده
فالذي خلقه وسواه وعدله.. هو أعلم بما يصلحه وهو أرحم به من نفسه وهو يبعده عن الشر وعن مناهج الشر
فالحقيقة أن من يرد أن ينهض بالإنسان يجب أن يكون على بصيرة بما يصلحه وبما يصلح له
وهذا كله لا يتأتى إلا من خلال اطلاعه بأسس التعامل مع هذا الإنسان وشرف التعامل معه وعظمة إفادته ومعرفة حقوقه وواجباته التي سندعوه إليها والتي سنلتزم بها تجاهه ولن يكون ذلك أبدا إلا باطلاعه على المنهج الإسلامي في التعامل مع الإنسان
الإنسان من حيث هو إنسان -مسلما أو غير مسلم- يحتاج منا لعناية في التعامل معه
هذا المخلوق المكرم على غيره من المخلوقات يحتاج أن نفهم كيف نتعامل معه: نتعامل مع عقله بما لا يتجاوز حدود العقل ليدخل فيما لا يحسنه العقل من المشاعر أو الغيبيات، ونتعامل مع عاطفته بتوازن لا يلغي التعقل ولا يقلل من قيمة المشاعر، نرفه عنه.. نعم لكن بما لا يضيع أثمن شيء لديه وهو وقته وبما لا يوقعه في الإثم ولا الفواحش، ونتعامل مع بدنه
فنحرص على صحته البدنية كما نحرص على صحته النفسية فنبعده عن كل ما يؤذيه من العادات والمغيِبات والمطعومات، وبنفس القدر من مساهمتنا في البنيان يجب أن نبعد معاول الهدم والإساءة.. من يرد أن يضلله ومن يرد أن يفتنه.. ومن يرد أن يستغله.. ومن يرد أن يتربح منه دون مراعاة لحقوقه ولا لخصوصيته.. كل تلك المحددات للتعامل مع الإنسان يجب استحضارها حين نمتهن مهنة تتعامل معه
لذا لا بد من منهج يقرب إلينا هذا الإنسان: منهج نثق فيه وفي حكمته ورشاده وإنصافه.. منهج لا يعبث بالإنسان أو يتركه حائرا
منهج منصف: لا ينظر إلى الإنسان كأنه آلة كالفكر الشيوعي، ولا يطلق لشهواته العنان كالفكر الإباحي، ولا يجعله عرضة للاستغلال كالرأسمالية، ولا يغره في قدراته فيقحمه فيما لا يحسنه كالفكر الليبرالي
هذا المنهج الذي نتحدث عنه هو منهج الإسلام في التعامل مع الإنسان،
المنهج الذي يدعو الإنسان لعبادة ربه تعالى من أجل تحقيق حق الله تعالى على العباد بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا؛ فكل من يدل الإنسان على الله تعالى ويجذبه إليه ويهديه لمنهجه ويأمره بطاعته ويزين له الإيمان ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان؛ فهو يحقق منهج النهوض بالإنسان والتفاعل معه
كل من يجتهد بتبصير الإنسان بما ينفعه في أمر دينه ودنياه وييسر له سبل حياته ويبصره بحقوقه ويقف في وجه ظالمه بما لا يخالف شرع الله تعالى ودينه فهو يحقق هذا الهدف مهما كان الدور الذي يمارسه (الإعلام بأنواعه – التربية والتعليم.. إلخ)
لا بد إذن أن ننتفع بهذا المنهج وأن ندرك منه ما يصلح أن يكون نبراسا لأي تعامل مع الإنسان وتوجيهه
لابد لنا من خلفية معقولة عن توجيهات الشرع المختلفة لنتمكن بها من تحقيق مهمتنا الأولى والاجتهاد فيها
فإن إدراكنا لقضيتنا الأولى من النهوض بالإنسان يلزمنا أن نتعرف على المنهج الذي يتحقق به نهوض هذا الإنسان.. منهج العبودية لله تعالى الذي أحسن كل شيئ خلقه
ومن بعد ذلك يرسخ فينا منهج النهوض بالإنسان والتفاعل معه ذلك الضمير الذي يجعلنا نحسن اختيار سبل النهوض وسبل العرض وأن نحسن اختيار موضوعنا وأن نخلص الموضوع من شوائب الكذب والتضليل وإشاعة الفواحش، ويدفعنا الشعور بأهمية وعدالة قضيتنا إلى إتقان العمل وإلى بذل الجهد فيه.. هنا فقط نكون قد أدينا دورنا وفقا للحرية والمسؤولية