د. ياسر عبد التواب يكتب: نقاط فوق حروف.. وسينقشع الخوف

لا أكاد أنام وإن نمت أستيقظ أتعب مما كنت.. شعور ممض بالقلق والتوجس والتوتر.. نادرا ما ينتابني.. لكنه إن جاء استشعر معه بأنه مصائب كبرى على الأبواب
جربت هذا الشعور في ليلة أحداث محمد محمود.. وكنت وقتها خارج القاهرة واتصل بي أحد الصحفيين يخبرني الخبر ويسألني رأيي..
لم تكن الصورة واضحة والإذاعة في السيارة تمارس تضليلها المعتاد..
ورويدا شعرت بذات الشعور.. شعور بعدم الأمان.. بخوف كأنه غمامة غشتك فجأة.. بعدم ثقة في كل شيء.
وبت ليلتها أرتجف وأنا أقرأ ما بين الأخبار بعدما عدت
وكانت النتيجة المجرمة التي نعرفها.. حلقة في سلسلة جرائم نظام حقير لا يعبأ بشعبه ولا بدمائه الطاهرة
ولا ينصر إلا هواه ومصالحه بل ومصالح أعدائه.. في أكبر عملية تضليل معاصرة
ويستمر الظلم والكيد والأذى ويأخذ صورا مختلفة متنوعة..
إلى وقتنا هذا وقت المواجهة ولحظة الحقيقة وحبكة القصة
ثمت شيء يحاك في الخفاء.. شيء شرير للغاية.. أكاد أقسم على هذا
وكأن كل ما عشناه كان حلما.. بالنسبة لهم كان كابوسا
كنا نحلم ونتفاءل ونعيش أجواء الحرية والتفاعل.. وكانوا يخططون وينتظرون.. ينتظرون لحظة الانقضاض ويرونها قريبة..
فهل ستكون كذلك حقا؟
من الخارج يأمرون ويحركون ويتآمرون ومن الداخل يخططون للتنفيذ
يخططون ويتوهمون
يرسلون عملاءهم في كل مكان.. ويهددون الموظفين والعمال لينتخبوا رجلهم قسرا ويقدمون الرشاوى والوعود
ينشرون فرق أمن الدولة الإلكترونية فيغشون المنتديات ومواقع التواصل.. وعلى وعد بالتوظف بعد فوز (الباشا)
وتنبري زوجات نزلاء طره في تسهيل مهام الاتصال بالوسطاء والعملاء السابقين
يروجون الأراجيف والأباطيل في المواصلات والتجمعات.. صرنا نحفظها ونمتعض من تكرارها لتفاهتها.. فكل عاقل يمجها ولا يتصور أن يقتنع بها إلا من وافقت هواه أو كان مغيبا
وإلا كيف يساوي إنسان بين من نهبوه حقا ويقينا وبين من يشك أنهم ربما ينهبوه
من عذبوه وقتلوا الأبرياء أمام عينه.. وبين من لم يفعلوا ذلك
يدعون أن الإسلاميين إقصائيين وينسون أن الإقصاء والتهميش لكل الشعب كان ولا يزال ديدنهم وأن الألوية السابقين يسيطرون على المحافظات والمجالس المحلية ومجالس إدارة المؤسسات والشركات الكبرى بلا مواهب ولا فائدة.. مجرد مجاملات على قفا شعب فقير
إن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين.. هكذا قال تعالى
لن يسوي الله تعالى بين من يرد الخير ويسعى إليه وبين من يرد استمرار الظلم واستمراء العمالة والضلال
لن تستمر كنوز إسرائيل الاستراتيجية
لن يكون ذلك إن شاء الله فالله تعالى من ورائهم محيط
سينفقون الأموال ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون
إن للثورة أطوارا أخرى تتشكل.. فصبرا أيها المفسدون
لن يغلب عسر يسرين
من ديننا نعرف أن عسرا لا يغلب يسرين.. قالها ربي سبحانه: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) (الشرح –5،6)
وعسر بقاء الظلم زائل
عسرهم زائل
عسرهم زائل ولن يخذل الله تعالى الصادقين والمخلصين.. مهما كان تقصيرنا
يروى أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم تذاكروا القرآن وآياته فدلونا على درر من القرآن تخبرنا بأن ربنا سبحانه وتعالى بنا رحيم وأنه هو الحكيم العليم يتحكم في ملكه بما يشاء وفق حكمته وعلمه وقدرته
فلا يكون في ملك الله تعالى إلا ما شاء
وحسب الرواية تلك قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
قرأت القرآن فلم أر فيه آية أرجى من قوله تعالى:
{بسم الله الرحمن الرحيم: حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم.. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول} [غافر: 1]
قدم غفران الذنوب على قبول التوبة، وفي هذا إشارة للمؤمنين وسعة رحمة الله بهم في الدنيا قبل الآخرة.
فقال عمر بن الخطاب: قرأت القرآن فلم أجد آية أرجى من قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} (الإسراء 84).
فشاكلة العبد المعصية وشاكلة ربنا الرأفة والعون والرحمة والغفران.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «لم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} [الحجر: 49]».
فهذه رسالة الله تعالى لنا يخبرنا بسعة رحمته فما يفعل بعذابنا إن شكرنا وآمنا.. ولن يضيع الله تعالى أجر المحسنين.. وهو الذي أخبر بأنه على نصر المستضعفين قدير
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أرجى من قوله تعالى:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].
وقوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82].
فالأمن للمؤمنين في الدنيا والآخرة والأمن بيده تعالى يمنحه من يشاء
أما ابن عباس فقال أرجى آية في القرآن قوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} نعم يا رب نحن ضعفاء بحاجة لعونك.. ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت التواب الغفور.
بينما اختار أبو عثمان النهدي قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم} كأرجى آية في كتاب الله
وكم خلطنا من أعمال وغفلات وسهوات وكم خضنا في باطل ونسينا كثيرا..
يا رب قصرنا فلم نفعل ما ينبغي فعله.. قصرنا في العمل وفي النظر وفي وحدة الصف وفي اتخاذ القرار وفي بذل الجهد.. تنازعنا وتشاكلنا وتنازلنا فأدركنا برحمتك وأنعم علينا بالتوبة.
بالنسبة لي أجد الكثير من الرجاء في قوله تعالى:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الآية 156 سورة الأعراف) اللهم فلتسعنا رحمتك التي وسعت كل شيء ولن نعدم الخير منك وأنت الكريم
الدعاء سلاح ماض
في أحلك لحظات الشدائد في الإسلام كان الدعاء سلاح ماض ينتبه إليه الصالحون
فيجب علينا أن نتواصى به.. يجب أن ننهض ونستنهض همم الدعاة في مساجدهم والعمال في مصانعهم والفلاحين في مزارعهم والنساء في خدورهن والأطفال في مراتعهم ..يجب أن ننهض جميعا للدعاء والذكر
فما نمر به ليس له من دون الله كاشفة.. وإننا ننتظر ومن ورائنا أمتنا الإسلامية والعربية.. فإما النصر وإما الضياع فهلم للدعاء مع تهيئة الأسباب
فلندع الله تعالى كثيرا ولنكثر من أدعية تفريج الكرب وأذكار النوازل: مثل الإكثار من الاستغفار فإن الله تعالى يجعل بها من كل ضيق فرجا ومخرجا- وقول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة- قول حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم) فإن بها التجاء وتوكل ومن قالها كان في عناية الله تعالى -قول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وهو دعاء يونس عليه السلام حتى أتاه الفرج-
وقول لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش الكريم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم
وذلك كما كان يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكربات
فلعل الله تعالى أن يكشف عنا كرباتنا ويحبط كيد المفسدين
ومن ذلك أيضا الدعاء بما ورد في القرآن الكريم َكقوله تعالى: رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (البقرة/250)
وقوله تعالى:
«عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ»
(الأعراف/89)
ويُردّد المؤمنون هذه الآيات من كتاب الله، فتطمئن قلوبهم بنصر الله، ويجأرون إلى الله تعالى في طلب النصر في ساحات القتال ويعطون ثقتهم ورجاءهم ودعاءهم لله دون غيره
ومن شروط النصر ان ينتصر المؤمنون لله تعالى، وينصرون الله، فإذا وجد الله منهم الصدق والجدّ في نصر دينه نصرهم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد/ 7).
(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/ 40.
ومن أهم أسباب النصر: الصبر والصلاة.
{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (البقرة/ 45).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (البقرة/ 153).
والصبر معنى واسع وشامل يشمل الصبر على الأذى والاضطهاد، والمقاومة لوسائل الظالمين في اضطهاد المؤمنين وعذابهم وملاحقتهم.
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} (الانعام/ 34)
لن نقصر في العمل والجهد
لا يعني ذلك الدعاء وإنزال حاجتنا وتفريج كرباتنا بربنا أبدا أن نقصر في العمل والجهد.. ولا أن نركن إلى الوعد بالفرج.. فإن تهيئة الأسباب من الدين
ولو فهم الصالحون من المبشرات أنها دعوة للتقاعس لما قام نبي ببيان الحق ولا بالدعوة إليه
ولما اجتهد العلماء في التبيين والتبصير.. ولأمسك الدعاة عن البلاغ.. ولتراخى المجاهدون عن الجهاد
ولكن ذلك لا يحدث أبدا فنحن نثق في النصر نعم؛ لكننا نعلم أن له أسبابا أرادها الله تعالى كذلك
فالله تعالى جعل للرزق أسباباً ومفاتيح، وأمر عباده ان يطلبوا رزقه من خلال هذه الأسباب.
(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) الملك/ 15.
وكذلك الأمر في النصر، فإن النصر من عند الله لا ريب في ذلك، ولكن الله تعالى جعل للنصر مفاتيح وأبواباً وأسباباً وأُمرنا أن نطلب النصر من خلالها.
وليس معنى الإيمان والثقة بنصر الله إهمال الأسباب والشروط والإعداد الميداني لعوامل النصر.
وإن من الشطط أن نفهم ما تقدم من الآيات أن الله يرزق النصر لمن يشاء من عباده، من دون نظام وسنن
فمن أسباب النصر إعداد القوة للمعركة، والتخطيط لها، والإعداد لها إعداداً كاملاً.
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ، وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ، لاَ تَعْلَمُونَهُمُ) الانفال/ 60.
إن إعداد القوة على وجه الأرض، وفي الميدان من ضرورات الحياة والتمكين فيها، لابد من هذا الإعداد والتحضير، ولكن لا يجوز الاعتماد عليه، فإن الاعتماد على الله تعالى
فلنجتهد قدر طاقتنا في نصرة قضيتنا ولنهيئ الأسباب جهدنا ولا نألوا في ذلك
ونترك العون والتوفيق والسداد لله تعالى ليسد عنا ثغرات التقصير
**
والله غالب على أمره
وهذه حقيقة أخرى في القرآن: إنّ الله غالب على أمره، فلا يُعْجِزُنَّ الله تعالى أحد من خلقه وعباده، فإذا أراد النصر لقوم نصرهم لا محالة، وإن اجتمع الناس لإبطال هذا النصر، وإن أراد الله تعالى بقوم هزيمة، هزمهم لا محالة، وإن اجتمع الناس على نصرهم، ولقد جربنا هذا في بداية ثورتنا فأرانا الله تعالى من نعمه وفضله الكثير
لكنا قصرنا في فحظ النعمة فكان ما كان.. ولكن طريق العودة لا يزال مفتوحا
قال تعالى: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) آل عمران/ 160
ويقول تعالى) إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))، غافر/ 51.)
والنصر هنا للرسل وللذين آمنوا، وفي الحياة الدنيا، والوعد من الله تعالى الذي لا يخلف وعده، فيقرأ الإنسان هذه الآية من كتاب الله فيطمئن قلبه بوعد الله، ويستهين بما يلقاه من العذاب والعنت في سبيل تحقيق وعد الله.
(وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ))، الروم/ 47.)
ولقد نصر الله تعالى موسى (عليه السلام) على فرعون وجنده وهو في أوج سلطته وجبروته قال تعالى:) {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} الصافات/ 114 – 116).
وهذا هو الوعد الحق الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين حقاً، وبعد هذا الوعد الإلهي الحق لا يدخل اليأس عن النصر قلب عبد مؤمن يثق بالله تعالى ووعده.