مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: هويتنا كأمة واحدة من قديم

الانتماء إلى هوية واضحة ثابتة، هوية مستقلة متميِّزة، هو الذي يعطي الأمم الوصف الذي تستحق به أن تكون أمماً، وهو القاعدة الأساسية لبناء الأمم لأن الهوية التي تنتمي إليها أي أمة هي تميزها عن غيرها فهذا الالتزام بوحدة الأمة يحقق هذا الانتماء.

وهو هدف نبيل ينبغي أن يسعى الإعلام للقيام به ويسعى لتجديد تلك المعاني في النفوس وبثها بكافة السبل.

ففي العصور الأخيرة وبالتحديد في القرن الهجري الماضي، حصل للأمة المسلمة ما يمكن أن نسميه «بأزمة الهوية» أزمة تحقيق الانتماء، فحصل فيها ولها من التخبط والتنقل على موائد الشرق والغرب ما أضاع الأمة وأفقدها استقلالها وتميزها وشخصيتها. وإلى هذا اليوم لا تزال الأمة تعيش هذه الأزمة، أزمة الهوية، أزمة الانتماء، إما في ضياع الهوية ضياعاً كاملاً عند فئة من المستغربين، وإما بالغبش وتكدر الرؤية عند كثيرين ممن ينتسبون لهذه الأمة، سواءً كان من عامة الشعوب، أو كان من الحكومات أو حتى ممن ينتمي إلى العمل الإسلامي.

 لذلك يجب أن نحدد هويتنا، يجب أن نحددها بدقة وأن نعرفها بوضوح لنعرف ما هي حقيقتنا وأهدافنا وما هو المنهج الذي يجب أن نسير عليه؟ 

إن هويتنا هي هذا الدين الذي أكرمنا الله به وأخرجنا به من الضلالة إلى الهدى ومن العمى إلى البصيرة، هذا الدين هو القاسم المشترك الوحيد الذي تلتقي عنده وحدة الإسلام، هذه الأمة الكبرى من مشرق الأرض إلى مغربها، لا يجمعها جنس ولا تجمعها لغة ولكن يجمعها دين واحد، هذا الدين اتحدت عليه وائتلفت عليه. لقد كان المسلم يخرج من أقصى المغرب وينتقل إلى أقصى المشرق وهو يعتبر الجميع بلاده، وينتقل من بلد إلى بلد آخر بعيد فإذا جاء احتفى به أهل البلد وعينوه لهم قاضياً وإماماً. انظر مثلاً ابن خلدون العالم الكبير المؤرخ صاحب المقدمة التي هي من قواعد علم الاجتماع، ولد في بلاد تونس وفيها نشأ وانتقل إلى بلاد الأندلس فاستقبلوه استقبالاً حافلاً، وانتقل بعدها إلى مصر فعينوه فيها قاضياً.. وهكذا كانت الأمة:

ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً ** الشام فيه ووادي النيل سيـانِ

وكل ما ذكر اسـم الله في بـلــدٍ * عددت أرجاءه من لب أوطانــي

إن تاريخ هذه الأمة المسلمة يتعدى أعماق التاريخ، فمنذ أن وجد الإسلام على هذه الأرض والأمة المسلمة أمة واحدة من عهد آدم عليه السلام كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء.

وبهذا تتحقق الولاية المذكورة في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة

وبغير ذلك تأثم الأمة وتضيع شذر مذر متفرقة في دروب الانتماءات والقوميات والأحزاب وقد نهانا الله تعالى عن ذلك فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (103) سورة آل عمران

وقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (105) سورة آل عمران

كما يقتضي ذلك الدفاع عن الحق الذي ننتمي إليه والهوية التي تميزنا عن غيرنا من الأمم. نعم يجب أن ندافع عن هذه الهوية مما يفسدها، ومما يطعن فيها، ومما يكدر صفاءها ونقاءها ومن ذلك – أي من الهجوم على هويتنا وعلى انتماءنا ومما يكدر ذلك ويفسده ويضيعه – الطعن الخفي في هذا الدين بالتعريض تارة والتلميح وبالرمز والإشارة وأحياناً بالتصريح وأحياناً يكون بالهجوم بطرق ملتوية، بالهجوم على التراث، بالهجوم على كتب العلماء وتسميتها بأسماء منفرة وهم يريدون من ذلك الطعن في الدين نفسه.

فالمهمة كبيرة والمسؤولية جسيمة يجب أن نتربى عليها ابتداء من الأب الذي لا يسمح لأبنائه بالإساءة إلى الخدم وتحقير جنسياتهم ومرورا بمناهج التعليم التي يجب أن تبث الأخوة وتعمقها وكذلك بالقوانين التي تدعم تلك المفاهيم وتنقيها مما لحق بها من معاني التعصب والتمييز وانتهاء بالسياسة التي تدعم قضايا المسلمين بقوة و والله لو تم هذا لصار للأمة هيبة بين الأمم ولما تجرأ علينا من تجرأ و لأرضينا ربنا تبارك وتعالى الذي أمرنا بالوحدة ونهانا عن التشرذم والفرقة حين قال :  {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام.

أمرنا الله تعالى بالتعاون على الخير والالتزام فقال: {.. وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى