د. يحيى سعد يكتب: «السياسة» بين الهبد والفهلوة

مرة أخرى
ليس هناك كلمة طالها الهبد والتفسير الفهلوي أكثر من كلمة «السياسة».
وكل واحد يتزنق في موقف يقولك ماهي السياسة كده.
– المهزوم المنبطح يبرر انبطاحه بأنه سياسة.
– والباطش المستبد يبرر طغيانه بأنه سياسة.
– المنبهر بشخص قوي يراه سياسيا.
– المتطلع الوصولي يرى ما يفعله سياسة.
– كثير من الناس يرون السياسي شخصاً دبلوماسيا مش بيزعل حد حتى لو صفعه أحد على قفاه.
– وكثيرون أيضا يرون السياسي الناجح هو الشخص الماكر المخادع الكاذب «اللي بيلعب بالبيضة والحجر»، ويعتبرونه ذكياً، وينسون أن اللصوص أيضا أذكياء، لكنه ذكاء الحرامية.
– المدرسة الغربية الميكافيلية ترى السياسة فن الكذب والخداع من أجل الوصول للسلطة والاحتفاظ بها، وأن الغاية تبرر الوسيلة. وأن الاستبداد والظلم مشروع لتعبيد الناس للحاكم، وللأسف هذا الفهم هو السائد في مجتمعاتنا العربية منذ حقبة الاستعمار.
– بعض الناس يرون السياسة فناً.
– وبعضهم يرونها علما.
– بعضهم يجردها من الأخلاق.
– وبعضهم يرونها لا تنفك عن الأخلاق.
البعض يرى السياسة كلها متحركة لا ثوابت فيها ولا قيم ولا عقيدة.
– والبعض يراها جامدة لا اعتبار فيها للمتغيرات والموازين.
ولقد أحصيت لمفهوم السياسة ما يقارب ثلاثين تعريفاً. ووجدت أن كل تعريف فيها يرتبط بفلسفة البيئة التي نشأ فيها وبمنظومتها الثقافية والقيميّة والدينية، وما يقبل منها في مجتمع قد لا يناسب محتمعاً آخر.
ووجدت أن أسمى مفهوم للسياسة هو ما أنتجه الفكر الإسلامي، لأنه فكر يستمد فلسفته من الوحي الذي أجاب عن الأسئلة الوجودية التي حيرت الفلاسفة قديما وحديثا، وخاصة تلك الأسئلة المتعلقة بعلاقة الإنسان بالله والكون والحياة.
فالفكر السياسي الإسلامي هو فكر لا يرى السياسة تنطلق كالمرأة السافرة المتحللة من الدين بلا ضوابط ولا قيم ولا حدود.
هو فكر يوازن بين الثوابت والمتحركات، ويدرك الفروق بين القيم المعيارية الثابتة والوسائل والاستراتيجيات المتغيرة المتجددة.
فكر لا يستحل الحرام من المجد كما لا يستحل الحرام من المال.
فكر يأمر بالعدل ويحفظ كرامة الإنسان.
فكر يدرك قيمة الإعداد، ولا يسمح للمنافقين أن يخدعوا المتقين.
فكر يدري أن الحق لا بد له من قوة، ويرى أن استعمال القوة يجب أن ينضبط بميزان الشرع والدين.
فكر يحقق عزة المسلم، ويحافظ على الأرض والعرض.
فكر يحقق فكرة استخلاف الإنسان في الأرض، ويدعوه إلى عمارتها بإتقان وإحسان.
فكر يرى ضرورة وجود الدولة والسلطان، غير أنه يرى الأمة هي مصدر منح تلك السلطة.
فكر يرى أن سلطان الحاكم لا ينبغي أن يجور على سلطان الله.
فكر لا يقسم الإنسان نصفين فيجعل نصفاً للكنيسة والنصف الآخر في اللهو والطغيان.
فكر يرى أن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
فهل آن لأهل الهبد أن يهمدوا ؟!