د. يوسف رزقة يكتب: لقاء روما.. التطبيع بين السرية والعلنية؟!
ثمة قضية معقدة في علاقات دولة الاحتلال برؤساء وملوك الدول العربية. تعقيدات القضية قديمة تعود إلى اتفاق الهدنة بعد حرب ١٩٤٨م. الهدنة المعروفة في الوثائق (بالهدنة الدائمة) كانت أول اتفاق معلن بين دولة الاحتلال وحكام الدول العربية.
بعد الهدنة أجمعت الدول العربية في جامعتهم على مقاطعة دولة الاحتلال، ولكن كانت ثمة اتهامات في الفترة الممتدة بين عام ١٩٤٩م وعام ١٩٦٧م لبعض الملوك العرب ومنهم ملك الأردن ببناء علاقات سرية مع دولة الاحتلال من تحت الطاولة، وأثبتت التطورات التاريخية لاحقا صحة وجود علاقات سرية مع دولة الاحتلال تحت الطاولة، ترتبط بتفاهمات عدم الإعلان عنها، أو الخوض فيها، أو تأكيدها.
ثم تطورت هذه العلاقات من السرية إلى العلنية بعد زيارة السادات للكنيست الإسرائيلي وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، ثم وقعت الأردن اتفاقية وادي عربة، ثم وقعت منظمة التحرير اتفاقية أوسلو، وهكذا لم يعد يشعر حكام العرب بحرج كبير من الحديث عن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وقدمت قمة العرب مبادرة عربية للتطبيع الشامل والعام مع دولة الاحتلال إذا ما أعطت (إسرائيل) الفلسطينيين حقوقهم في الضفة وغزة.
أهملت حكومات الاحتلال المبادرة العربية لأن في حقيبتها السرية علاقات تطبيع أفضل من المبادرة العربية مع العديد من الدول الموقعة على المبادرة العربية، وقد أثبتت الأحداث التالية أن (سرائيل) صادقة، حيث تخمض بيان الصدق هذا عن اتفاقية إبراهام التي تضم (إسرائيل والإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب) مع تأكيدات أميركية تقول إننا نعمل مع آخرين للانضمام لاتفاقية إبراهام، واعتقد أن حدث ليبيا الأخير الدائر حول لقاء نجلاء المنقوش وزيرة خارجية ليبيا مع كوهين وزير خارجية دولة الاحتلال يكشف عن حجم الدور السري الأميركي، ويكشف عن حجم العلاقات السرية بين دولة الاحتلال ورؤساء وملوك عرب، وحكام دول إسلامية غير عربية.
عديد من الحكام العرب لا يمانعون التطبيع السري، والعلاقات السرية، ويهربون من العلنية لأن الشعوب العربية ترفض (إسرائيل) وترفض التطبيع معها، حتى شعوب الدول المطبعة ترفض ذلك، (وإسرائيل) بلغت من القوة والمكانة، وبالذات كقناة لمن يريد رعاية البيت الأبيض، أن تتعجل العلاقات العلنية، وأن تغادر العلاقات السرية التي قبلتها في ظروف النشأة والتأسيس، ومن هنا حدثت الأزمة في ليبيا والعتب والنقد في أميركا وفي تل أبيب، وهربت المنقوش إلى تركيا بعد إقالتها من منصبها.
قضية العلاقة المعقدة مع دولة الاحتلال، وحالة التناقض فيها بين الشعبي والرسمي في البلاد العربية، ليست وليدة لقاء روما بين المنقوش وكوهين، بل هي جزء من تاريخ بدأ بعد الهدنة في عام ١٩٤٨م، وهو تاريخ مسكون بحالة انفصام حاد بين الموقف الشخص لبعض الحكام العرب والموقف الشعبي لكل شعوب الدول العربية. وإن تداعيات لقاء روما في ليبيا تكشف عن حالة الانفصام والانفصال هذه، وتكشف أيضا عن مراد سياسة دولة الاحتلال ومراد بعض الحكام العرب، وفلسطين هي الطرف الخاسر في السرية والعلنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.