رانيا مصطفى تكتب: الانتخابات الرئاسية المصرية 2023
تعيش مصر منذ انقلاب 2013 على أول رئيس منتخب حالة من السخف السياسي لا ترقى حتى لأن توصف بالمسرحية الهزلية، فهي لا تزيد عن كونها حلقة من حلقات ستاند أب كوميدي لممثل ثقيل الحضور سمج النكات.
يعتبر نظام السيسي مرحلة استالينية مثلت انقلابا على الحكم الديمقراطي الاشتراكي الإصلاحي المنتخب بعد ثورة يناير، واجه بسببه ملاحقات سياسية وحقوقية وإعلامية مكثفة وبالأخص بعد فوز بايدن، لذلك فقد اضطر إلى إجراء حوار وطني صوري ثم انتخابات شكلية بغرض تحسين صورته.
تسلل قائد الانقلاب بين صفوف ثوار يناير 2011 وأحدث فجوات عميقة بفضل استجابة قوى ليبرالية ويسارية صدقت أن مؤسسة تغلغلت في الحكم لأكثر من ستين عاما ستقود انقلابا مسلحا لتقدم لها السلطة على طبق من فضة.
تعد انتخابات 2023 نسخة مكررة من انتخابات 2005 عندما ترشح أيمن نور ضد مبارك، ومن انتخابات 2014 حينما انتبهت القوى الليبرالية واليسارية المؤيدة للانقلاب إلى أنها سقطت في شباك مصيدة السيسي، فقررت أن تلتفت حول حمدين صباحي الذي خسرها كما خسر انتخابات 2012 من قبل.
تغافلت كتلة 25 يناير/30 يونيو عن أن وزير دفاع كان يعمل رئيسا للمخابرات الحربية خان قسمه وانقلب على رئيسه المنتخب، وارتكب أفظع المجازر في تاريخ مصر المعاصر، لا يمكن أن يترك الحكم بانتخابات، فهو ليس ساذجا ليلغي حصانته بيديه فيكون عرضة للملاحقة القضائية فيحاكم كمجرم حرب!
هل أسرف المنقلب في الإنفاق على مشاريع تسطر تاريخه الأسمنتي بحروف من شقاء المصريين، وأحاط نفسه بكل أسباب الرفاهية من بناء قصور وشراء طائرات ليتنعم به رئيس جديد؟
يبرهن الجنرال في كل خطاب على أنه كان هو الطرف الثالث في ثورة يناير كما كان الطرف الأول في الانقلاب عليها-كما ذكرت في مقالات سابقة-، وربما بدا ذلك أكثر وضوحا في خطابه بالأمس حين أهان-كالعادة- كرامة شعبه واصفا أبناءه بأنهم حفنة من المدمنين المعدمين المستعدين لإشعال ثورة مضادة تواجه أي محاولة ثورية لإزاحة حكمه في مقابل منحه إياهم لفافات مخدرات وبضعة جنيهات.
أعلن السيسي حربه على الإرهاب (أي على الشعب)؛ فحول مصر إلى ثكنة عسكرية وحصن مقرات الجيش والشرطة، وأنشأ أنظمة مراقبة، وبوابات للمحافظات على الطرق وأهمل خطوط السكك الحديدية بغرض التحكم في تدفق المواطنين، وضاعف عدد السجون ومقرات الاحتجاز، وأعاد هيكلة كل المؤسسات، وغير الدستور والقوانين؛ بشكل يشي بأنه كان ضلعا قويا في تنفيذ تحركات أشعلت يناير ويونيو.
كان السيسي واضحا حين صرح بأنه سيمحو من على وجه الأرض من سيقترب من حكم مصر، وبأنه لن يسمح بتكرار ما حدث في 2011؛ للرجل أحلام واسعة ولن يفلت الحكم قبل أن يحققها، فهو لم يصل للسيف الأحمر وللساعة الأوميجا، ولمنصب السادات ليتداول السلطة.
للأسف تبيع قوى 25/30 الوهم للشعب المطحون فيدفعونه نحو انتخابات مزيفة تعطي مصداقية لنتيجة محسومة سلفا لصالح العسكريين.
قبل أحد عشر عاما، رفضت قوى 25/30 مكتسبات ثورة يناير التي تمثلت في مؤسسات تشريعية وتنفيذية جاءت عبر صندوق نزيه، واتهمت الشعب بالغباء والفقر والجهل، ثم اضطرت لاستدعائه كجندي في حروب استنزافها، لتتحول دماؤه واعتقالاته لنقاط مكسب بحسب تعبير بعض السياسيين الذين اعتبروا استنفار مواطنيه محاولة لن تضر؛أذكر أن وائل غنيم أحد أبرز شباب ثورة يناير قال أن الثورة لمعت في رأسه ولكنه راجع أفكاره بعد سنوات ليكتشف أنه كان مخطئا! لماذا تتعامل هذه القوى مع الشعب بهذا القدر من الاستهانة ولماذا لا تعلن عن تحمل مسئولية اختياراتها؟ ولماذا تعتبر قراراتها مهما كانت النتائج خطوات على طريق النجاح؟
تقدم معارضة 25/30 اليوم احمد الطنطاوي وهو عضو مؤسس لحزب الكرامة الناصري، شارك في الانقلاب على الرئيس المنتخب بعد ثورة يناير، وفاز بمقعد في برلمان انقلابي لا يقبل عضوا إلا بموافقات أمنية؛ وبرغم أنه يحاول أن يبدو غير اقصائي إلا أنه يعتمد في حملته على أهم مكتسب للانقلاب يحصل بسببه على دعم المعارضة ألا وهو إزاحة أقوى فصيل سياسي مصر وهو جماعة الإخوان المسلمين.
سأفترض جدلا أن حلم المعارضة تحقق وفاز طنطاوي، فهل سيتمكن من إعادة هيكلة المؤسسات، واختيار حقائب الوزراء، وتغيير نظم الاقتصاد والتوجهات السياسية، وطلب إعادة النظر في الأحكام القضائية، وتقديم الخدمات للناس دون العودة إلى المؤسسة العسكرية؟
تمسك الدولة العميقة بقبضتها العسكرية على زمام كل مقومات الحياة في مصر كرغيف الخبز وشربة الماء وصنبور البنزين وسكينة الكهرباء وأنبوبة الغاز، وإلا كيف تم الانقلاب على محمد مرسي وتشويه عام حكمه؟
ظهرت نظرة العسكريين الفوقية للمدنيين عندما رشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي بعد ثورة يناير فحذرهم السيسي من أن أي حزب أو جماعة-غير الجيش- لن يتمكن من قيادة مصر لأنها أكبر من أي فصيل، فإذا كانت هذه هي نظرة العسكري السبعيني لجماعة الإخوان التسعينية، فكيف ينظر لمرشح مستقل عشريني؟ ولماذا قد تقبل الدولة العسكرية أن يحط على أملاكها نسر ضعيف يحرمها وجاهة المنصب ويقيد أسلحتها، أو صقر مدني يخطف الحكم من بين مخالبها بل ويحاكمها.
مشكلة تكتل 25/30 أنهم مازالوا يحفرون كل الأنفاق ليصلوا إلى النور بعيدا عن نفق الاخوان الذي حبسوهم فيه، برغم أنه هو الطريق الوحيد للخروج من المتاهة، فهل سينتظرون حتى يكمل السيسي الثلاثين عاما كمبارك؟
الحل من وجهة نظري أن ترجع قوى 25/30 خطوة للخلف، وتجري مراجعات،وتستوعب أن تجاهل فصيل بهذا الحجم لن يصل بمصر سوى لمزيد من القهر والطغيان، لذا عليها أن تتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين، وتضع مع قياداتها خططا تفصيلية لما سيكون عليه الوضع بعد نهاية الكابوس.
في ظني، لا ينتظر الإخوان اعتذارات وإقرارات بالندم، فلم يعد هناك مجال لمزيد من الجدل، وإنما ينتظرون رد اعتبار وتصحيح أوضاع، وبحسب بياناتهم هم أيضا لن يقبلوا مزيدا من الاتهامات والتشويه والإقصاء والتعالي وفرض الشروط.
إن مجرد رسم القوى الوطنية العاقلة المتجردة للوحات تنفيذية لمشروع الحكم في مصر على الورق يمثل نهاية حالة اللادولة التي تحياها البلاد منذ عقود طويلة؛ وفي الختام، لا أملك سوى الدعاء للجميع بالهداية والتوفيق.