رانيا مصطفى تكتب: مستأمن الكيان الصهيوني المحتل
بالأمس، فاجأتنا المواقع الإخبارية بخبر مفاده أن شرطيا مصريا أطلق الرصاص على سائحين ينتميان إلى الكيان المحتل للأراضي الفلسطينية، ونظرا إلى حالة العجز الشعبي التي يعانيها المصريون بسبب سياسات حاكمه، فقد نشر الحادث حالة من السعادة دفعت كثيرين ومنهم أنا للاحتفال بالواقعة وخاصة أنها حدثت في اليوم التالي لهجوم حماس على العدو المحتل في غلاف غزة.
تعاني الشعوب العربية وفي القلب منها مصر من انتكاسات عظيمة متتابعة لا تكاد ترى لنفقها المظلم نهاية، تصبح وتمسي كل يوم على إطلاق رصاص على رأس فتاة، وجرافة تدهس شابا، وشيخ مكبل اليدين يركله جندي ليسقط على وجهه، وامرأة يطردها مستوطن من منزلها، ودموع أم وأب وهما يشيعان ابنهما البطل إلى مثواه الأخير.
لم أبحث عن فتوى تحل الاحتفال بهذا الحدث في البداية على اعتبار أنه أمر بديهي، ولم أكن أتصور أن التفكير في هذه المسألة سيستغرق مني ليلة كاملة من البحث، فأنا ممن يتحسسون مراجعهم عند اجتماع شيوخ السلطة على رأي، لكني كعادتي تراجعت خطوة لأستوثق عندما قرأت فتاوى من أثق بإذن الله في دينهم، وسأحاول هنا أن أسرد أفكاري وما انتهيت إليه.
لم تخبرنا وسائل الإعلام المصرية عن تفاصيل الحادث، وعن السبب الذي دفع شرطي تابع للنظام لإطلاق النار، فربما كانت دوافعه القانونية سليمة تسحب منه الأمان الذي منحه النظام إياه عند حصوله على تأشيرة الدخول!
اكتفى النظام المصري بوصف مستوطن الكيان المحتل الذي قدم إلى مصر سائحا بالمستأمن؛ كما أنه تحدث عن معاهدة السلام المبرمة بين مصر والكيان التي لا تحل القتل أو الاعتداء.
لا يخفى على أحد أن انقلاب 1952 حول مصر من مملكة مدنية، إلى ثكنة عسكرية، وأن حكم الجنرالات كان انتقالا جبريا للسلطة لم ينبع من اختيارات الشعب الحرة. أعاد العسكريون الكرة فانقلبوا مجددا في 2013 على أول سلطة شرعية منتخبة ليستعيدوا العرش.
لم تتحقق شروط الحاكم المتغلب في مغتصبي حكم مصر، فهم خارجون على الحكام الشرعيين لا يقيمون الدين، وينشرون الفساد، ويثيرون الفتن بين المسلمين، ويعلنون صراحة أنهم لن يسمحوا بإقامة دولة إسلامية ما داموا على قيد الحياة.
لم يؤمن المصريون مستوطنا يوما، فكل مواطن في الكيان شارك مع سبق الإصرار في احتلال الأراضي الفلسطينية، وقبل باغتصاب الأرض، وجند رجلا كان أو امرأة ليحافظ على مكتسبات الاحتلال، ولو وضع حيث يجب أن يطلق النار لفعل غير متردد.
يعرف كل مصري وعربي أن الكيان اللقيط استطاع أن يتغلغل في سياسات الدول العربية والإسلامية حتى وصل إلى مرحلة أن الحكام يخطبون وده ليدعم بقاءهم في كرسي الحكم، هذا إن لم يكن هو من اصطنعهم لنفسه، هؤلاء الحكام هم من أمنوا مستوطنيه وليست الشعوب.
يؤنب الإعلام المصريين على فظاظتهم في التعامل مع مواطني اللقيط، ويدعوهم لنسيان الماضي، والاحتفال بما ترتب على معاهدة السلام المذلة من استقرار زائف بل، ويبذل المستحيل ليرسخ في أذهانهم أن الكيان دولة وأن مواطنيها مدنيون لا يجوز التعرض لهم.
لا ينطبق وصف المعاهد على المستوطن، لأن المعاهد هو من يقيم في بلاده ويتعهد هو وعدوه بإنهاء حالة الحرب بشكل مؤقت أو دائم، بينما المستوطن يقيم في أرض مغتصبة، ويقتل أبناءها وينتهك حرماتها ويدنس مقدساتها؛ إن يهود خيبر كانوا في وضع أكثر شرعية من مستوطني اليوم،فقد كانوا أصحاب أرض إلا أنهم خسروها حين نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل لقطاء اليوم.
برغم كل ما سبق، إلا أني تراجعت عن تأييدي لحادث الإسكندرية، للأسباب التالية:
أولا:
أن حكم القصاص الذي اتخذه فرد مصري ضد مستوطن لقيط، لن يتخذه ضد إيراني شارك في مذابح سوريا، أو ضد هندوسي مثل بأجساد مسلمي كشمير.
وثانيا:
أن الأنظمة العربية المضادة للأحكام الإسلامية قد سجنت العلماء الثقات، وقيدت تطبيق الأحكام، فمن الذي سيفتي بجواز قتل هذا وحرمة دم ذاك؟ وبترك ذلك للعامة سيصبح القتل بحسب الهوى.
ثالثا:
لا يمكن تخطي سياسة الدولة فبرغم أنها تقاتل شعبها وتقتص لعدوها، وبرغم أنها تزهق الحق وتظهر الباطل إلا أنه لا يمكن المجازفة بتعجيل انهيارها عبر تأييد أفعال من شأنها إثارة الفوضى.
رابعا:
لا يقوم المواطن بأي إجراء عنيف مضاد لقرارات النظام مهما بلغ جرمه، فهو مثلا لم يقدم على الانتقام بعد ارتكاب نظامه ذاته جرائم حرب على أرضه، وبالتالي فإنه من غير المنطقي أن يصدر ردة فعل مختلفة تجاه قضايا سياسية إسلامية أخرى.
خامسا:
منح النظام المصري المنقلب مستوطني الكيان الأمان، وبما أن هذا النظام يقول أن دينه الإسلام، إذن لا يجوز أن يخالفه باقي مسلمي الدولة.
إن المصريون اليوم في وضع لا يحسدوا عليه، فهم يعرفون عدوهم لكن أيديهم لا تصل إليه، يحفظون أحكام دينهم لكنهم لا يملكون تطبيقها، يحاولون أن يتمسكوا بالمبادئ لكنهم متشككين حولها.
حينما خطط العدو لإخضاع المسلمين درس دينهم كما لم يدرسوه، وربط خطواته الشيطانية بحاجز إسلامي شرعي، كلما هم المسلم بالقفز من فوقه عرقلته ألف مسألة وكبلته ألف ألف فتوى.
إن تحرك الدولة المصرية ضد عدوها الخارجي يحتاج إجماعا فقهيا وسياسيا وشعبيا، وتعبئة عسكرية. ليستعيد المصري المقهور الشعور بالبطولة، عليه أولا أن يرتب بيته، ويكثف جهوده حتى يرغم المحتل الداخلي على الجلاء، وحينها سيكون أقدر على التخطيط للخلاص من المستعمر الخارجي.