رشيد الترخاني يكتب: فلسطين ليست وجهة نظر
قد لا يدرك كثير من المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية أسباب دعم واشنطن «الأعمى وغير المحدود» لإسرائيل منذ نشأتها قبل 75 عاما..
في الحقيقة ان ما نشاهده الان من هجوم دموي على غزة هو جزئ من تاريخ طويل من صراع الامة وشعوبها مع عدوها وهو امتداد للحملة الصليبية الأولى التي شنَّها الغرب الأوروبي على ديار الإسلام بِدعم ورعاية الكنيسة الكاثوليكيَّة التي ارتكبت الاف المجازر في حق الامة الاسلامية ، تارة بالاحتلال المباشر وتارة باسم الحماية والانتداب ليبدأ بعدها تاريخ من الاضطهاد والتشريد والقمع بحق المسلمين ومن يقلب صفحات التاريخ لا يخفى عليه «البعد الديني المسيحي» في الصراع الإسرائيلي مع المسلمين وسيجد الشواهد عديدة تعكس العقل الاستعماري الغربي الذي خاض معاركه ضد العالم الإسلامي تحت ظلال الصليب وما عليه إلا تغيير التواريخ والأسماء فقط لا غير و«طوفان الأقصى» الذي جاء في السابع من أكتوبر هو أحد هذه الشواهد وفصل من فصول صراع الامة مع اعدائها ..
في الوقت الذي كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة تمارس أقصى أشكال القمع والاستبداد وتوغل في دماء الفلسطينيين وتنتهك حرمة المقدسات وتتوعد بتغيير خارطة المنطقة لصالحها جاءت عملية «طوفان الأقصى» الصدمة التي باغتت إسرائيل بكل أجهزتها العسكرية والأمنية والقوى المرتبطة بها إقليميا ودوليا، فقد استطاعت المقاومة الباسلة التي انطلقت بوسائل بدائية وتطورت على مدى مراحل في حيز جغرافي يخضع لحصار إسرائيلي منذ 16 سنة الى إحداث انهيار معنوي لدولة ظلت تقدم نفسها بالقوة التي لا تقهر، إن معركة «طوفانِ الأقصى» التي هزّت الكيان الغاصب من الداخل وجهت ضربة قاصمة لعملية السلام و التطبيع في محيط عربي طوّعته بالكامل عبر الأنظمة العميلة وشبكة استتباع اقتصادي ومالي وثقافي وكانت فاضحةً لحكام الغرب فيما يدَّعونه من قيم إنسانيةٍ ومبادئَ حقوقيةٍ وكاشفة لعملاء الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة وللأنظمة الاستبدادية التي خذلت قضية فلسطين وخذلت أهلَ غزة.
لقد شكل هذا الاختراق الذي أحدثته المقاومة في غلاف غزة إهانة كبيرة لأسطورة «الجيش الذي لا يقهر» وهو الجيش المدجج بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية ليجد نفسه لأول مرة في موقع المهزوم الفاشل المنكل به من طرف المقاومة التي مرغت وجهه في وحل غزة رغم كل الدعم الذي تحظى به دولة الاحتلال دوليا، فكان على امريكيا وبقية دول الغرب التدخل الفوري منذ اليوم الاول ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية والقيم الحضارية والولوغ المباشر في جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي وفصل عنصري ينقل للعالم على المباشر وامام اعين العالم على امتداد اكثر من شهر من القصف الهمجي والمجنون بكلّ أنواع الأسلحة الأمريكيّة المجرّبة في العراق وفي أفغانستان على غزة المجاهدة بأيدي صهيونية وبسلاح أمريكي ودعم غربي وبأموال عربيّة ..
لذلك تداعى رؤساء أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبقية دول الغرب عبر زياراتهم المتكررة ودعمهم الغير محدود للكيان المحتل بالأموال والسلاح والعتاد ولم يكتف الرئيس الأمريكي بايدن بزيارة إسرائيل وإعلانه دعم أمريكا غير المحدود لها ولكنه فعل ما لم يفعله أي رئيس قبله ــأمريكي أو غير أمريكيــ فلقد شارك في انعقاد مجلس الحرب الإسرائيلي الذى يشرف على إدارة الحرب في غزة لإدراكهم ان الهزيمة الراهنة ليست فشلا استخباراتيا أو تكتيكيا وحسب بل إن الامر اصبح يتعلق بأحد مقومات وجود هذا الكيان اللقيط وبالسردية التي ارتبطت به في الجوانب الأمنية والعسكرية والتقنية والأيديولوجية وهي مقدمة لانهيار إستراتيجي كبير لإسرائيل يهم مقومات وجودها واستمراريتها سيسهم في تعجيله دون شك المسار التراكمي الذي خطته المقاومة.
رشيد الترخاني
ناشط سياسي – تونس