الخميس سبتمبر 12, 2024
مقالات

رضا بودراع يكتب: الفتنة الكبرى

منذ إسقاط الخلافة وتعطيل حكم الله في الأرض بإلغاء الشريعة وتجريم من يطالب بها ووصفه بالإرهاب

دخلت البشرية في الجاهلية الثانية التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

والفتة الكبرى هي غياب أمر الله في الحكم والأحكام والقيم

وغيابه في صناعة الرؤى والأفكار والتصورات والنماذج والمناهج

وغيابه في المقاربات والمشاريع والبرامج..

إن الفتنة الكبرى أن يحل وحي الشيطان مكان وحي الرحمن

إن الفتنة الكبرى أن تُطَّعَم كلمة الله بجذور خبيثة من وحي الشيطان

إن هذه الفتنة تولد جاهلية تمشي في جسد الأمة حتى يحتل ظلامها نور الإيمان والأفهام والسبل، فلا نلبث على الصراط المستقيم إلا قليلا لنجد أنفسنا في ضلالات العلم وموبقات الفهم

ونجد أنفسنا في وضع مقلوب وأمر منكوس نمشي على رأسنا وأرجلنا في السماء ونرى أننا نمشي سويا على صراط مستقيم

هكذا تفعل الجاهلية الثانية بأصحابها المخلصين والمنافقين على السواء.

إنه لا مكانة للجاهلية في الإسلام كما أنه لا مكان للإسلام في الجاهلية الثانية إلا بما يقويها ويزيد من شدة تلبيسها في الدين وإضلالها للناس

وكما أنه لابد للإسلام من إنسان يحمله، فكذلك الجاهلية لا تقوم إلا بإنسان يحملها

فكلاهما دين ولكليهما وحي وكلاهما رسالة يحملها الانسان

 فالإسلام وحي الله إذا آمن به المرء استضاء بنوره وأحاطته عناية الرحمن

فكان نوره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجلها التي يسعى بها إليه

 والجاهلية وحي الشيطان إذا حلت في قلب مرء أظلم وكانت جذوة الشيطان منبع أفكاره وبصيص رؤيته ودليل خطواته إليه

فكل وحي يقود لمصدره

لقد ظهرت أصنام الجاهلية الثانية بمجرد تفكيك الخلافة وإبطال الشريعة

لقد تم نحت تلكم الأصنام قرنين من الزمن قبل إسقاط الخلافة

حتى إذا أظلمت الدنيا بغياب أمر الله فيها، بزغت تلكم الأصنام وتحكمت في الانسان والحياة

إنها أصنام حاكمة ومتحكمة

إنها أصنام ليست كبقية الأصنام الجامدة!

كان لابد لهم من أصنام متحركة توهم بالحياة لتحتل مكانة كلمة الله الحية.

 ١- فكان الصنم الأول الحداثة كمنظومة فكرية كفرية متحركة وقوية لتحتل في أفهام الناس مكانة الوحي الرباني

فصارت الحداثة منشأ ومنطلق الأفكار

بعدما كان الوحي والإيمان منشأ الأفكار!

ويا لها من فتنة!

أن يصبح وحي الشيطان منشأ أفكارك بعدما كان وحي الله منشأها!!

لم ينتبه الناس لقوة أصنام الأفكار حتى خلقت نماذج جاهلية روحها شيطاني ولباسها إسلامي!!

ثم نشأت أجيال على طريقتها، فتشكل فقه جديد ينطلق من الإيمان بالله ويفكر بوحي الشيطان ويتبع خطواته

يا لها من فتنة أن يعبد الرحمن في محراب الشيطان، أو يعبد الشيطان في محراب الرحمن فلا فرق

عبادة واحدة لم يحلم الشيطان بها في يقضته!

٢- الصنم الثاني متولد عن صنم الحداثة

إنه صنم الدولة الحديثة

فكما احتل “قرآن” الحداثة مكانة قرآن الرحمن في تصورات الانسان وأفكاره،

جاءت الدولة الحديثة لتحتل مكان الخلافة، خلافة المسلمين.

 وقد أصبحت الدولة الحديثة خلافة للشياطين

كما أن الحكم بالشريعة خلافة عن رب العالمين.

ويا لها من فتنة!

لقد تم إقناع المسلمين أن الدولة الحديثة الكافرة بشرع رب العالمين إنما هي الامتداد الطبيعي لخلافة المسلمين.

ووقع التلبيس العظيم على أمة الإسلام

فالمصري يرى دولة المجلس العسكري صناعة العدو الأمريكي امتداد للخلافة ويرى المصريون أنها دولتهم وأنها دولة إسلامية!!

ويرى الجزائري يرى دولته التي تحارب حكم شريعة رب العالمين وتعلن الولاء المطلق لأعداء المسلمين، أنها دولته وأنها امتداد لدولة الأمير عبد القادر!

ويرى التركي دولته العلمانية المنتمية للماتو الذي أسقط مؤسسوه الخلافة امتداد لخلافة العثمانيين

وهكذا قل عن الخليجيين وغيرهم…

 وكانت النتيجة تطعيم حكم كافر بالشريعة على شعوب مسلمة

كتطعيم غصن الشجرة الملعونة في القرآن على الشجرة الزيتون المباركة في القرآن!!

فما ظنكم بهذه الشجرة وظنكم بطلعها!!

إنها شجرة لا تقود إلا إلى الجحيم ولا يكون ثمرها إلا رؤوس الشياطين.

٣- والصنم الثالث الجيوش

فلما كان لوحي الشيطان دولته كان بحاجة لجيش يحمي دولته ويقهر كل سبيل لعودة خلافة رب العالمين

لقد أوحت الحداثة للناس حتى آمنوا أن دولتها هي دولتهم وأن جيوشها هي جيوشهم، فكان أن استقر ذلك كمرتكز ومكون في هويتهم وإيمانا زائفا محركا لحضارتهم

فكانوا كلما قووا التي ظنوا أنها جيوشهم أضعفوا أنفسهم أمام عدوهم

وكلما أرادوا تقويم تلكم الجيوش وجدوها سيفا قاطعا لشأفتهم.

ويا لها من فتنة!

أن تمد جيشا بكل مقدراتك الحيوية وقوتك الاستراتيجية لتجده في عند التقاء الصفين في مقدمة صف عدوك

إنها الفتنة العظمى والصدمة الكبرى!

لكن هذا الصنم هو الابن الشرعي لصنم وحي الشيطان والدولة الحديثة

فأنى أن يكون شيء منها

من قلاع المسلمين!!!

وسندا لنصرة المسلمين!!!

٤- الصنم الرابع المدرسة

(تنبيه: قلت المدرسة وليس التربية والتعليم والتدريب والتأهيل والاختبار والمناهج والاختراع).

 المدرسة مفرخة العبيد وقنوات توصيل وحي الشيطان وآلة صناعة المخيال الجاهلي الذي يخلق الرؤى والأفكار التصورات والنماذج.. التي تجعل الإنسان لا يرى الحياة إلا من خلالها!!

ولا يرى المستقبل إلا من خلال وعودها!!

بل لا يتعلم في رحمها إلا إسلاما صناعيا زائفا لا يصلح إلا لخدمة خلافة الشياطين

ويكون حربا على كل سبيل يرفع راية خلافة رب العالمين!!

إن هذا الإنسان الذي تشكل وعيه وفهمه وعلمه في مشيمة الجاهلية ليمكنه إلا أن يكون جاهليا وإن كان عالما!!

وحتى المخلصين منهم تراه يأخذ كل أدوات الجاهلية ويستعين بكل ما حصل عليه من قوتها ثم يتوكل على الله حق التوكل ليحارب شريعة الله ويمكن لأعداء الإسلام والمسلمين!!

فيا لها من فتنة!!

يتقرب إلى الله بكل ما تعلمه في مدرسة تكفر بحق الله في الحكم

بل تكفر بكونه خالقا لهذا الكون أصلا

وتجعل عقل الكافر بالله مرجعيته العلمية ومن الجاهلية مشيمته الفكرية!!

وجدت نفسي أكتب كل هذا حينما رأيت فتنة الناس في توصيف العدو والبراء منه

ورأيت فتنتهم في جهلهم بحق الله ورسوله والمؤمنين والولاء لهم.

إنه بكسر هذه الأصنام تتكشف حقيقة كل مشروع ويتبين كل حكم.

إن بغياب أمر الله استحكمت الجاهلية الثانية وخلقت هذه الأصنام

وإن هدمها واجب هذا الجيل، جيل التدافع

ولا يستطيع هدمها بما يولده وحي الشيطان من معاني وأغاني..

وإنما بالمثاني والقرآن العظيم.

Please follow and like us:
رضا بودراع
كاتب جزائري، وباحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب