في ظل التصعيد العسكري المستمر بين إسرائيل وإيران، يسلط الباحث في الشأن الإسرائيلي، عزام أبو العدس من نابلس في الضفة الغربية، الضوء على المشهد السياسي والعسكري الراهن في إسرائيل. يعكس التقرير تحليلًا معمقًا للوضع الداخلي الإسرائيلي، التداعيات الإقليمية، وتأثير الحرب على المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، مع التركيز على التحديات التي تواجهها إسرائيل في مواجهة إيران، وهي دولة شاسعة ذات موارد ضخمة.
أشار أبو العدس في تصريح له على “الجزيرة مباشر” إلى أن المشهد في إسرائيل أصبح أكثر تعقيدًا مع استمرار الصراع. فقد أدركت قطاعات من المحللين والكتاب الإسرائيليين أن الحرب الحالية لن تكون “خاطفة” أو “سريعة” كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وخلال زيارته لمواقع سقوط الصواريخ، أقر نتنياهو بوجود “أثمان شخصية ووطنية” يجب دفعها، بينما أكد إيال زامير، قائد هيئة الأركان، أن إسرائيل تنتظرها حرب طويلة. هذا التصريح يعكس تحولًا في التوقعات الإسرائيلية، التي كانت تراهن على توجيه ضربة قاصمة لإيران تهدف إلى إسقاط سلسلة القيادة والتحكم وإغراق إيران في الفوضى منذ الأيام الأولى.
وفقًا لأبو العدس، هذا الهدف أصبح “صعبًا جدًا، إن لم يكن مستحيلًا”، حيث استعادت إيران زمام المبادرة وبدأت بإطلاق الصواريخ بوتيرة متصاعدة. هذا التطور أثار قلقًا في الأوساط الإسرائيلية، حيث باتت آمال إسرائيل تتجه نحو تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لتقصير مدة الصراع. يتردد في الإعلام العبري بشكل مكثف أن واشنطن وحدها قادرة على تغيير مسار الحرب، مما يعكس شعورًا إسرائيليًا بعدم القدرة على مواجهة إيران بمفردها.
يطرح التقرير تساؤلًا حول قدرة إسرائيل على مواجهة إيران في حرب استنزاف طويلة الأمد. إيران، بمساحتها الشاسعة ومواردها الهائلة، تشكل تحديًا كبيرًا. يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة لتحقيق إنجازات ملموسة لإرضاء الشارع الإسرائيلي، الذي يطالب بتقدم واضح في الحرب. حتى الآن، يعتمد نتنياهو على “إنجازات اليوم الأول”، مثل اغتيال قادة إيرانيين والسيطرة المزعومة على الأجواء في طهران. لكن مع استمرار إطلاق الصواريخ الإيرانية وسقوطها في مراكز المدن الإسرائيلية، تتآكل هذه الإنجازات.
للحفاظ على دعم الشارع الإسرائيلي، قد يلجأ نتنياهو إلى تصعيد جديد، مثل قصف منشآت نفطية إيرانية كبرى، مثل تلك الموجودة في جزيرة خارك. لكن هذا الخيار قد يستدعي ردًا إيرانيًا مماثلًا يستهدف البنية التحتية الإسرائيلية، مما يطيل أمد الصراع. كما أن الشارع الإسرائيلي، الذي يفضل رؤية مشاهد “هوليوودية” من الدمار والاغتيالات، قد يدفع نتنياهو لاستهداف شخصيات إيرانية بارزة، مثل المرشد الأعلى، رغم التداعيات الدولية والمحلية الخطيرة.
على الصعيد الداخلي، يواجه المجتمع الإسرائيلي أزمة هوية عميقة. تأسست إسرائيل على وعدين رئيسيين: الأمن والرخاء. لكن حرب “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، والصراع الحالي، أديا إلى تآكل هذين الوعدين. تزايدت الهجرة العكسية، حيث غادر أكثر من 700,000 إسرائيلي البلاد منذ أكتوبر 2023، سواء بشكل دائم أو مؤقت. بعضهم تخلى عن الجنسية الإسرائيلية لتجنب الضرائب والالتزامات.
وزيرة المواصلات ميري ريجف أصدرت تعليمات لشركات الطيران ومطار بن غوريون بمنع سفر الإسرائيليين خارج البلاد، وتشجيعهم على العودة. لكن تقارير صحيفة “هآرتس” تشير إلى فرار البعض عبر زوارق من شواطئ إسرائيل أو مصر إلى قبرص، مقابل دفع آلاف الدولارات. كما توجه آخرون إلى العريش وسيناء، إما كنازحين أو للسفر إلى أوروبا، مستفيدين من الجنسية المزدوجة التي يحملها 30% من الإسرائيليين.
تشير إحصائيات إلى ارتفاع بنسبة 42% في طلبات الجنسية الأوروبية، وبنسبة 75% لطلبات الجنسية البرتغالية، التي تُعتبر الأكثر سهولة للإسرائيليين. هذا التوجه يعكس أزمة ثقة بالمشروع الصهيوني، حيث أصبح أكبر تجمع يهودي في العالم في الولايات المتحدة (5.6 مليون يهودي)، وليس في إسرائيل التي تضم 42% فقط من يهود العالم. يهود الشتات بدأوا يعرفون أنفسهم كمواطنين أوروبيين أو أمريكيين يهود، وليس إسرائيليين، مما يشير إلى تراجع فكرة إسرائيل كـ”وطن قومي”.
تدهورت سمعة إسرائيل دوليًا، خاصة بعد حرب غزة. بحسب مركز أبحاث معاداة السامية، تضاعفت الكراهية لإسرائيل في أوروبا ثلاث مرات، حيث يرى 56% من الأوروبيين أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ومجازر. في الولايات المتحدة، تتصاعد الاتهامات بمعاداة السامية ضد منتقدي إسرائيل، مع إجراءات تشبه “محاكم التفتيش” للحد من الانتقادات. هذه المؤشرات تشير إلى تآكل فكرة إسرائيل كدولة آمنة ومزدهرة، ليس فقط ماديًا، بل كفكرة أساسية.
يواجه المجتمع الإسرائيلي تحديات غير مسبوقة مع تصاعد الصراع مع إيران، وتآكل وعود الأمن والرخاء، وزيادة الهجرة العكسية. يضغط الشارع الإسرائيلي على نتنياهو لتحقيق إنجازات جديدة، لكن أي تصعيد قد يطيل الحرب ويزيد من تعقيداتها. في الوقت نفسه، تتدهور سمعة إسرائيل دوليًا، مما يهدد مكانتها كـ”ملاذ آمن” لليهود. الوضع الحالي يعكس أزمة وجودية لإسرائيل، سواء على المستوى العسكري، الاقتصادي، أو الاجتماعي.