رواية “التائهون” لأمين معلوف: غرباء في أوطانهم، وتائهون في العالم

“التائهون” هي واحدة من أبرز روايات المفكر والروائي اللبناني أمين معلوف، وقد صدرت بالفرنسية عام 2012 بعنوان “Les Désorientés”، قبل أن تُترجم إلى العربية وتُحدث صدى واسعًا في العالم العربي والفرنكفوني على حد سواء. تمثل الرواية نوعًا من العودة إلى الجذور، ومكاشفة ذاتية عميقة عبر حكاية مثقفين فرّقتهم الحروب والنكبات، وجمعتهم الذكريات.

مضمون الرواية:

تدور الرواية حول آدم نجم، المثقف والأكاديمي اللبناني المهاجر إلى فرنسا، الذي يتلقى خبرًا بموت صديقه “مراد”، فيدعوه ذلك إلى العودة إلى بلده بعد غياب طويل. وتبدأ رحلة استعادة الذكريات واللقاء برفاق الصبا الذين تفرقت بهم السبل، بين من ظلّ في الوطن مثقلاً بالمرارة، ومن غادره حالمًا بالخلاص.

الرواية ليست فقط قصة عن الصداقة، بل عن الضياع الوجودي لجيل كامل، عايش الحرب الأهلية اللبنانية وانفجارات الشرق العربي، وما تلاها من تشتت وقلق وانهيار للأحلام الجماعية.

أهم القضايا المطروحة:

هوية المثقف العربي المهاجر وتمزقه بين الانتماء والاندماج.

فقدان الوطن كمعنًى، لا كمكان فقط.

الحنين إلى الماضي وصراعات الحاضر.

سقوط الأيديولوجيات السياسية والدينية، وعبث محاولات الإنقاذ.

أبرز الشخصيات:

آدم نجم: الراوي، المثقف الحائر بين الشرق والغرب، الماضي والحاضر.

مونا: الحبيبة السابقة، ترمز للحنين والجراح غير المندملة.

سيمون، شربل، نعيم، نهاد…: شخصيات تمثل أطيافًا فكرية واجتماعية من جيل ما بعد الاستقلال في لبنان.

اقتباسات مختارة من الرواية:

“لقد غادرنا البلد لنعيش، ولم نعد إليه كي لا نموت”

بهذه العبارة يلخص آدم مأساة التهجير القسري والاختيار المرير الذي عاشه جيله.

“أدركت أنني لم أعد أنتمي إلى المكان الذي نشأت فيه، ولا إلى البلد الذي احتضنني”

مقطع يكشف عن أزمة الهوية المزدوجة للمثقف العربي المهاجر.

“إننا لا نعيش سوى مرّة، وما فاتنا، لا يعود”

البُعد السياسي والفلسفي للرواية:

تُعد “التائهون” رواية سياسية بامتياز، لكنها لا تمارس خطابًا سياسيًا مباشرًا، بل تطرح أسئلة الهوية والانتماء والضمير في عالم يتآكل. لا تخلو الرواية من نقد لاذع للأنظمة الطائفية، والحركات الدينية المتطرفة، وتآكل الأحزاب اليسارية التي خذلت أحلام التغيير.

قيمة الرواية وأهميتها:

تعكس الرواية تجربة جيل عربي عاش انكسارات متعددة، بدءًا من الحرب الأهلية في لبنان، وحتى الغزو الأمريكي للعراق، والانتكاسات اللاحقة.

تبرز قدرة أمين معلوف على دمج السرد الشخصي بالفكر العام، بأسلوب فلسفي عميق ولغة شاعرية.

تشكّل الرواية وثيقة أدبية عن أزمة الشرق من داخل النخبة الثقافية التي هجرت أوطانها.

أمين معلوف: قلم يعبر الضفتين

الكاتب أمين معلوف (مواليد بيروت 1949) هو أحد أبرز الروائيين اللبنانيين الذين كتبوا بالفرنسية، وعُرف بكتاباته التي تسائل الهوية والشتات والتعايش بين الحضارات. من أبرز أعماله: الهويات القاتلة، ليون الإفريقي، سمرقند، الحروب الصليبية كما رآها العرب. نال جائزة غونكور الفرنسية، وأصبح عضوًا في الأكاديمية الفرنسية عام 2011.

رواية “التائهون” ليست مجرد سردية عن فقدان الأوطان، بل هي حفر في الذات والجماعة، في الذاكرة والخرائط المتآكلة. إنها عملٌ يمزج بين الحنين والمرارة، بين التأمل والغضب، وتؤكد مرة أخرى أن أمين معلوف لا يكتب فقط من أجل الحكاية، بل من أجل فهمنا لأنفسنا ولعصرنا.