
الرواية: (طلاق على الطريقة الصينية)
المؤلف: (ليو جين يون)
صدرت في نسختها الأصلية باللغة الصينية عام 2012م
تمت ترجمة الرواية إلى عدة لغات، منها الإنجليزية 2014م، والألمانية في 2017م، والعربية في عام 2021م .
عن الكاتب (ليو جين يون):
تاريخ الميلاد: 1958م
مكان الميلاد: الصين
الوظيفة: روائي وسيناريست وأستاذ جامعي، ونجح في نقل الأدب الصيني من اللغة الكبيرة والموضوعات السياسية الصارخة إلى القصص الصغيرة ذات الدلالة الكبرى، حيث تعكس رواياته هموم الإنسان العادي في وجه سلطة بيروقراطية ساحقة.
ويُعد من أهم الأصوات التي تمكّنت من إيصال الأدب الصيني إلى العالميةخاصة بفضل ترجمات أعماله وانتقالها إلى الشاشة الكبيرة.
أولًا: مدخل عام لفهم الرواية
“طلاق على الطريقة الصينية” لا تقف عند حدود فكرة الطلاق أو الخيانة الزوجية وانما هي عمل ساخر – سياسي – اجتماعي – نفسي، يتخفّى خلف قصة طلاق بسيطة ليقود القارئ في رحلة عميقة داخل المجتمع الصيني الحديث، ويكشف عن البنية الفاسدة والمتهالكة للنظام الإداري، وعن العفن الذي يضرب أعماق السلطة، وعن هشاشة المظاهر الاجتماعية بل وحتى عن أزمة الهوية والمفارقة بين الشكل والمضمون.
الكاتِب لا يُقدّم الرواية على هيئة سرد خطي مملّ،، هو يعتمد على بناء حلزوني تتداخل فيه الشخصيات والطبقات والمستويات، وتتقدّم البطلة لي شيوليان عبر متاهة إدارية واجتماعية، تحاول فيها أن تُثبت أن (الزائف كان حقيقياً، والحقيقي كان زائفاً) عندما تكتشف أغوار نغس زوجها وأحوال النفاق في مجتمعها.
ثانيًا: تحليل الشخصيات والبناء الرمزي
لي شيوليان (البطلة):
امرأة عادية تقرّر أن تستخدم حيلة الطلاق الشكلي (المزيّف) للحصول على منزل بسبب قوانين السكن.
لكن الطلاق يصبح حقيقياً، ويصر زوجها على أنه لم يعد يرغب في العودة.
ما يبدأ كخدعة قانونية، يتحول إلى معركة وجودية وواقع مرير: كيف تثبت أن الطلاق لم يكن ناتجًا عن خيانة أو رغبة حقيقية في الانفصال؟
رمزيتها: تمثّل صوت الإنسان البسيط المطحون تحت عجلات البيروقراطية.
هي الضحية والمقاومة في آنٍ معًا، وهي أيضًا صورة للمرأة التي تتحدى أعرافًا صارمة، وتدفع ثمن تمرّدها على المألوف.
زوجها السابق (السيد كينغ):
يمثل الذكر الصيني الخاضع لاعتبارات المجتمع أكثر من اعتبارات العاطفة.
يتخلى عنها بسهولة، ويتذرّع بالخيانة – رمز لسهولة الاتهام والوصم في المجتمعات الذكورية.
المسؤولون في التسلسل الهرمي:
من القاضي البسيط في القرية، إلى المسؤول الكبير في الدولة.
كل شخصية تمثّل درجة في السلّم الفاسد.
هؤلاء الأشخاص ليسوا أفرادًا فقط وانما رموزًا لـأنظمة الظلم، الرعب الإداري، وتحجّر الضمير المهني.
ثالثًا: الموضوعات المركزية في الرواية
- البيروقراطية الصينية:
تُعرّي الرواية البيروقراطية المعقّدة، وكيف تتحول الإجراءات من وسائل لخدمة المواطن، إلى أدوات لإذلاله وتعذيبه.
تمرّ (لي شيوليان) بسلسلة طويلة من المحاكم، والمكاتب، والإدارات، وكلها تتعامل معها بريبة، وسخرية، ولامبالاة.
- الفساد:
الفساد ليس حدثًا عرضيًا لكنه بنية مكوِّنة في الرواية.
يتدرّج من موظفين صغار إلى مسؤولين كبار، ويتخفّى أحيانًا خلف القوانين والإجراءات، وأحيانًا خلف مصالح ضيقة أو خوف من فقدان المنصب.
- أزمة الهوية والمعنى:
تحاول (لي شيوليان) استرجاع “اسمها” و”كرامتها”،،، لكنها تدخل في صراع أكبر: ما الذي يحدّد الحقيقة؟ هل القانون؟ أم نظرة الناس؟ أم قناعة الذات؟
- المفارقة بين الظاهر والباطن:
الرواية قائمة على التناقض: الطلاق الزائف يصبح حقيقيًا، والخيانة الحقيقية غير موجودة، والمسؤول الشريف فاسد في داخله.
حتى الأسماء في الرواية تحمل معاني ضدية، كما أشار المترجمون، ما يُضيف بعدًا لغويًا ساخرًا وفلسفيًا.
رابعًا: الأسلوب السردي
(ليو جين يون) كاتب بارع في المراوغة إذ يستخدم الأسلوب الساخر السهل الممتنع ويقدّم رواية قد تبدو “خفيفة” لكنها تترك أثرًا عميقًا، تمامًا كما شبّهها المترجمون بـ”شطيرة الجبن” التي تأكلها في بضع قضمات لكنها دسمة مثل “خروف مشوي” تحتاج إلى شهور لهضمها.
هناك اقتصاد في السرد، وكثافة في المعنى، واعتماد على الحوار، والتنقّل الزمني، وسرد المشاهد البيروقراطية بتفاصيلها القاتمة – والمضحكة أحيانًا.
خامسًا: الدلالة العامة
رواية “طلاق على الطريقة الصينية” تتعدى مسألة الطلاق فقط فهي تسلط الأضواء على مساحة واسعة في المجتمع الصيني عبر الفشل الجماعي في فهم الحقيقة، وتورّط الناس العاديين في منظومة تسحقهم، وتحوّل الكذب إلى قانون، والقانون إلى هزل.
هي رواية عن امرأة تقاتل لاستعادة كلمة، لكن الكلمة في الصين – كما في العالم – ليست دائمًا ملك من ينطقها وانما من يملك الهيكل الإداري الذي يمنحها الشرعية.
خاتمة تحليلية:
الرواية رحلة نفسية – اجتماعية – سياسية، تدفع القارئ إلى التفكير في:
الأنظمة القامعة التي لا تعاقب الظلم بل تشرّعه.
الهويات المسحوقة التي تبحث عن صدى في عالم بلا ذاكرة.
المرأة التي تقاوم وسط غابة من الذكور الأقوياء – الضعفاء داخليًا.
قدّم (ليو جين يون) تحفة سردية، تتخفّى في بساطتها، وتنفجر في عمقها.
كما قيل هي رواية قد تُقرأ في أيام، لكنها تُهضَم في شهور.
الاقتباس السينمائي
تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي بعنوان (I Am Not Madame Bovary) من إخراج فنغ شياوغانغ، وصدر في 2016.
فاز بجائزة أفضل إخراج في جوائز آسيا والمحيط الهادئ للأفلام لعام 2016م، وجائزة أفضل ممثلة لفان بينغبينغ في مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي.