رواية في كُبّاية: “الدكتور جيفاغو” لـ “بوريس باسترناك”

تحليل رواية “الدكتور جيفاغو”
- الخلفية التاريخية للرواية:
تدور الرواية خلال واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ روسيا: الثورة الروسية (1917) والحرب الأهلية التي تلتها. هذه الأحداث قلبت البلاد رأسًا على عقب، وغيرت مصير ملايين الأشخاص، بمن فيهم شخصيات الرواية الرئيسية.
من خلال حياة الطبيب والشاعر يوري جيفاغو، يصور باسترناك كيف يتحطم الأفراد في دوامة الأحداث السياسية، ويواجهون صراعات شخصية تعكس الفوضى الكبرى التي تمر بها روسيا.
- الحبكة الأساسية:
البداية:
تبدأ الرواية في أوائل القرن العشرين، حيث يتلقى يوري جيفاغو تربية جيدة بعد وفاة والده.
يصبح طبيبًا، لكنه أيضًا شاعر ذو روح حساسة.
يعيش حياة مستقرة مع زوجته تونيا، لكن حياته تأخذ منحى جديدًا عندما يلتقي بلارا،وهي امرأة قوية ذات ماضٍ صعب.
ذروة الأحداث:
مع اندلاع الثورة الروسية،يجد يوري نفسه وسط الفوضى.
يُجبر على ترك حياته الهادئة والعمل في مستشفى عسكري، حيث يلتقي مجددًا بلارا، ويقعان في الحب.
في هذه الأثناء، يتحول باشا، زوج لارا، إلى قائد ثوري متطرف باسم “ستريلنيكوف”، ويصبح أحد الشخصيات المحورية في الأحداث.
تتصاعد الصراعات، حيث يتم اختطاف يوري من قبل مجموعة من البلاشفة ويُجبر على العمل طبيبًا في الجيش الأحمر.
هذه الفترة ترمز إلى فقدانه للحرية، وانجرافه القسري في تيار الأحداث السياسية.
النهاية:
بعد هروبه يحاول يوري العودة إلى حياته الطبيعية،، لكنه يجد أن النظام الجديد يفرض قيودًا على حرية التعبير حتى على الشعراء والفنانين. لارا تختفي فجأة، ويوري يعيش في عزلة في موسكو حتى يموت وحيدًا بنوبة قلبية.
موته يرمز إلى النهاية القاسية للمثقفين والفنانين الذين سحقهم النظام السوفييتي الجديد.
- تحليل الشخصيات:
يوري جيفاغو: رمز للمثقف الحالم الذي يُسحق بين التغيرات السياسية العنيفة. يرفض أن يكون مجرد أداة في يد أي نظام، مما يجعله ضحية لكل من القيصرين والبلاشفة.
لارا: تمثل المرأة القوية التي تحاول النجاة وسط الفوضى، لكنها في النهاية تُبتلع من قبل الأحداث السياسية، مثل الكثير من الأبرياء في تلك الحقبة.
تونيا: زوجة يوري، تمثل الاستقرار والأمان، لكنها تبقى شخصية سلبية لا تستطيع مجاراة التغيرات السريعة.
باشا (ستريلنيكوف): شخص يتحول من رجل بسيط إلى قائد ثوري متعصب، مما يعكس كيف يمكن للثورة أن تفسد حتى أكثر الشخصيات مثالية.
- الرمزية في الرواية:
◾️ الطبيعة والشعر: يستخدم باسترناك الطبيعة كرمز للجمال الدائم الذي يقف في مواجهة الخراب السياسي. كذلك، يعكس شعر يوري محاولته للهروب من قسوة الواقع.
◾️ الثورة كقوة مدمرة: الثورة في الرواية ليست مجيدة، بل هي طوفان من العنف الذي يدمر حتى أكثر الناس طيبة.
◾️ لارا كرمز للحب المفقود: تمثل لارا الرغبة في حياة أكثر حرية، لكنها تظل بعيدة المنال، كما هو حال الحريات الفردية في روسيا الثورية.
- دور الرواية في الأدب العالمي:
“الدكتور جيفاغو” هي شهادة على مأساة المثقفين في ظل الأنظمة الديكتاتورية.
منعت الرواية في الاتحاد السوفييتي، لكن نشرها في الغرب أثار ضجة كبيرة، مما أدى إلى فوز باسترناك بجائزة نوبل رغم رفضه استلامها تحت ضغط الحكومة السوفييتية.
الرواية أيضًا كانت مصدر إلهام للعديد من الأعمال السينمائية، وأشهرها فيلم Doctor Zhivago عام 1965، الذي رسّخ مكانة القصة في الذاكرة الثقافية العالمية.
- الخاتمة:
“الدكتور جيفاغو” عمل فلسفي وإنساني يعكس معاناة الفرد أمام قوى سياسية جبارة.
باسترناك يصور كيف يمكن للأحداث الكبرى أن تبتلع الأرواح، لكنه في الوقت نفسه يحتفي بجمال الحياة والحب حتى وسط الدمار.
تطرح الرواية سؤالًا مهمًا: هل يستطيع الإنسان الحفاظ على هويته وحريته في عالم تسيطر عليه الأيديولوجيات القمعية؟
عن الكاتب
بوريس باسترناك (1890-1960) كان كاتبًا وشاعرًا ومترجمًا روسيًا.
وُلِد في موسكو لعائلة فنية وبدأ حياته كشاعر قبل أن يتجه إلى الرواية.
رفضت السلطات السوفييتية نشر “الدكتور جيفاغو” بسبب تصويرها السلبي للثورة الروسية، لكنها نُشرت في إيطاليا عام 1957 ما جعله يفوز بجائزة نوبل للأدب عام 1958، لكنه اضطر لرفضها تحت ضغط النظام السوفييتي.
عاش سنواته الأخيرة في عزلة وتوفي عام 1960.
تُعتبر أعماله، خاصة “الدكتور جيفاغو”, من كلاسيكيات الأدب العالمي.