في لحظةٍ يُحاول فيها العالم العربي والإسلامي لملمة جراحه- ولو اعلاميا- واستعادة أنفاسه بعد غارةٍ إسرائيلية جريئة لاستهداف قادة المقاومة الفلسطينية حماس بالدوحة..
وفي لحظةٍ تاريخيةٍ يجتمع فيها قادة الأمة في قمةٍ طارئةٍ لمواجهة تحديات مصيرية.. تطلّ واشنطن من جديدٍ برأس الأفعى، لتؤكد للجميع أن القواعد لم تتغير.. وأن الولاءات لم تتبدل.. ها هو وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يطأ أرض القدس المحتلة ليس حاملاً إنذاراً.. ولا حاملاً حلولاً.. بل حاملاً رسالةً واضحةً وقويةً مفادها أن الدعم الأمريكي لإسرائيل هو فوق النقد.. وفوق المحاسبة.. وفوق كل اعتبار!
هل تُريدون معرفة حقيقة “الغضب الأمريكي” المزعوم؟ ها هو روبيو يلخّصه في عبارةٍ واحدةٍ تكرس الوضع القائم: “ما حدث قد حدث”.. فهل تستفيق هذه الأمة أخيراً على صفعة الواقع.. أم أن القادم أعظم؟
زيارة مفاجئة في توقيت بالغ الحساسية يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل، تأتي الزيارة في لحظة فارقة تشهد تصاعدا للتوتر بين واشنطن وحلفائها التقليديين في المنطقة على خلفية الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قادة حركة حماس في قطر واستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
تأكيد على دعم غير مشروط
قبل مغادرته أكد روبيو للصحفيين أن الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب غير راضين عن الغارة الإسرائيلية في قطر، لكنه سارع إلى تأكيد حقيقة ثابتة وهي أن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل لن تتأثر مهما حدث،
وشدد روبيو على أن الخلاف حول الهجوم لن يغير من طبيعة الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل مما يؤكد أن الاعتراض الأمريكي شكلي ولا يمس جوهر التحالف الاستراتيجي.
جدول الأعمال المعلن والخفى
حدد روبيو جدول أعمال زيارته بمحورين رئيسيين، الأول هو مناقشة تأثير الغارة على جهود إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، والثاني هو مناقشة سبل القضاء على المسلحين وإنهاء الحرب في غزة، لكن التصريحات الأمريكية لم تتطرق إلى الجذور الحقيقية للأزمة أو إلى ضرورة إنهاء الاحتلال أو التوسع الاستيطاني، مما يشير إلى أن جدول الأعمال الحقيقي هو تنسيق المواقف واحتواء الغضب العربي والإسلامي وليس البحث عن حل عادل وشامل.
رسالة إلى القمة العربية الإسلامية
تأتي زيارة روبيو عشية انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة بقطر، وهي تبعث برسالة واضحة مفادها أن الدعم الأمريكي لإسرائيل هو دعم استراتيجي غير قابل للمساومة وأن الخلافات التكتيكية العابرة لا تغير من هذه الحقيقة الثابتة، كما أن الزيارة تؤكد أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب، وأن أي طرف إقليمي يريد التأثير على السياسة الأمريكية يجب أن يدرك هذه الحقيقة ويبني عليها حساباته.
الزيارة وما حملته من تأكيد على الدعم الأمريكي اللامشروط لإسرائيل تطرح سؤالا مصيريا على الأمة العربية والإسلامية مجتمعة وهي في قممها: هل تستفيق هذه الأمة من غفوتها وتدرك أن طريق التحرر يبدأ بوحدتها وتحرر قرارها الوطني وأن الخطابات والاستنكارات دون فعل حقيقي موحد لن تغير من الواقع الأليم والمخزى شيئا.
مركز كارنيغي للسلام الدولي
يعتبر الدكتور ماهر قرقاش الباحث الرئيسي في شؤون الشرق الأوسط أن زيارة روبيو تؤكد أن السياسة الأمريكية تجاه الحرب على غزة والاحتلال، لم تتغير جوهرياً رغم التصريحات النقدية الظاهرية، يشير قرقاش إلى أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الخلافات مع إسرائيل كخلفية ضوضاء بينما تظل الاستراتيجية الأساسية هي الضغط على العرب لقبول الأمر الواقع مع وعود غير ملموسة بمستقبل أفضل
رأي معهد بروكنغز
ترى الدكتورة ناتالي توبياس المحللة البارزة في شؤون الأمن الدولي أن توقيت زيارة روبيو هو رسالة مدروسة للحلفاء العرب مفادها أن واشنطن لا تزال تملك العصا والجزرة وتضيف توبياس أن القمة العربية الإسلامية تواجه اختباراً حقيقياً في قدرتها على تحويل الخطاب السياسي إلى إجراءات عملية ملموسة بدلاً من الاكتفاء بالبيانات التي تتحول إلى ذاكرة منسية.
مجموعة الأزمات الدولية
يصف الباحث ف جرينبلات المختص في صراعات الشرق الاوسط، الوضع الحالي بأنه دائرة مفرغة من التصعيد حيث تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية مثيرة للجدل تتبعها انتقادات أمريكية شكلية ثم يعود كل شيء كما كان.، جرينبلات يشير إلى أن زيارة روبيو تهدف إلى منح الغضب العربي مساحة للتنفيس دون المساس بالمصالح الاستراتيجية العميقة.
تحليل من مجلة فورين بوليسي
ترى الكاتبة الأميركية كارين أندرسون أن إدارة ترامب تدرك جيداً أن الحلفاء العرب لن يقطعوا علاقاتهم مع واشنطن بشكل كامل بسبب اعتمادهم العسكري والأمني على الولايات المتحدة لذلك فإن زيارة روبيو هي مجرد طمأنة روتينية لإسرائيل مع بعض العتاب العلني الذي لا يكلف الأمريكيين شيئاً.